معنى الآيتين:
ما زال السياق الكريم في بيان مظاهر القدرة الربانية والرحمة الإلهية الموجبة لعبادته تعالى وحده دون سواه قال تعالى ﴿وهو الذي يرسل الرياح بشراً﴾ وهو أي ربكم الحق الذي لا إله إلا هو وبشراً أي مبشرات١ ونشراً أي تنشر الرياح تحمل السحب الثقال ليسقي الأرض الميتة فتحيا بالزروع والنباتات لتأكلوا وترعوا أنعامكم، وبمثل هذا التدبير ني إنزال المطر وإحياء الأرض بعد موتها يحييكم بعد موتكم فيخرجكم من قبوركم أحياء ليحاسبكم على كسبكم في هذه الدار ويجزيكم به الخير بالخير والشر بمثله جزاء عادلاً لا ظلم فيه وهذا الفعل الدال على القدرة والرحمة ولطف التدبير يُريكموه فترونه بأبصاركم لعلكم به تذكرون أن القادر على إحياء موات الأرض قادر على إحياء موات الأجسام فتؤمنوا بلقاء ربكم وتوقنوا به فتعملوا بمقتضى ما يسعدكم ولا يشقيكم فيه.
هذا ما تضمنته الآية الأولى (٥٧) ﴿وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته﴾ أي المطر ﴿حتى إذا أقلَّت﴾ أي حملت ﴿سحاباً ثقالاً﴾ أي ببخار الماء ﴿سقناه﴾ بقدرتنا ولطف تدبيرنا ﴿لبلد ميت٢﴾ لا حياة به لا نبات ولا زرع، ولا عشب ﴿فأنزلنا به﴾ أي بالسحاب ﴿الماء﴾ العذب الفرات، ﴿فأخرجنا به من كل الثمرات﴾ المختلفة الألوان والروائح والطعوم ﴿كذلك نخرج الموتى﴾ كهذا الإخراج للنبات من الأرض الميتة نخرج الموتى٣ من قبورهم وعملنا هذا نسمعكم إياه ونريكموه بأبصاركم رجاء أن تذكروا فتذكروا أن القادر على إحياء الأرض قادر على إحياء الموتى رحمة منا بكم وإحساناً منا إليكم.
أما الآية الثانية (٥٨) فقد تضمنت مثلاً ضربه الله تعالى للعبد المؤمن والكافر إثر بيان قدرته على إحياء الناس بعد موتهم فقال تعالى: ﴿والبلد الطيب﴾ أي طيب التربة ﴿يخرج نباته بإذن ربه﴾ وذلك بعد إنزال المطر به، وهذا مثل العبد المؤمن ذي القلب الحي الطيب إذا سمع ما ينزل من الآيات يزداد إيمانه وتكثر أعماله الصالحة ﴿والذي خبث﴾ أي والبلد الذي تربته خبيثة سبخة أو حمأة عندما ينزل به المطر لا يخرج نباته إلا نكداً٤ عسراً قليلاً غير
٢ البلد والبلدة بمعنى ويجمع على بلاد وبلدان.
٣ روى مسلم قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثم يرسل الله أو قال: ينزل الله مطراً كأنّه الطلّ فتنبت منه أجساد الناس، ثم قال: أيها الناس هلموا إلى ربكم وقفوهم إنهم مسؤولون" الحديث.
٤ النكد: العسر الممتنع من إعطاء الخير من الناس، وشبه به البلد الخبيث التربة كذات الحجارة أو السبخة.