وهذا أول قصص بقوله تعالى فيه ﴿ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه١﴾ أي وعزتنا لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه كما أرسلناك أنت يا رسولنا إلى قومك من العرب والعجم، فقال: أي نوح في دعوته: ﴿يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره٢﴾ أي ليس لكم على الحقيقة إله غيره، إذ إلإله الحق من يخلق ويرزق ويدبر فيحيي ويميت ويعطي ويمنع، ويضر وينفع، ويسمع ويبصر فأين هذا من آلهة نحتموها بأيديكم، ووضعتموها في بيوتكم عمياء لا تبصر صماء لا تسمع بكماء لا تنطق فكيف يصح أن يطلق عليها اسم الإله وتعبد ﴿إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم﴾ أنذرهم عذاب يوم القيامة إن هم أصروا على الشرك والعصيان فأجابه الملأ٣ منهم وهم أهل الحل والعقد في البلاد قائلين: ﴿إنا لنراك في ضلال مبين﴾ بسبب موقفك العدائي هذا لآلهتنا، ولعبادتنا إياها فأجاب عليه السلام قائلاً: ﴿يا قوم ليس بي ضلالة﴾ مجرد ضلالة فكيف بالضلال كله كما تقولون، ﴿ولكني رسول من رب العالمين﴾ أي إليكم ﴿أبلغكم رسالات ربي وأنصح٤ لكم﴾ أي بما هو خير لكم في حالكم ومآلكم، واعلموا أني ﴿وأعلم من الله ما لا تعلمون﴾ فأنا على علم بما عليه ربي من عظمة وسلطان، وجلال، وجمال، وما عنده من رحمة وإحسان، وما لديه من نكال وعذاب، وأنتم لا تعلمون فاتقوا الله إذاً وأطيعوني يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى آجالكم، ولا يعجل بفنائكم وواصل حديثه معهم وقد دام ألف سنة إلا خمسين عاماً قائلاً: أكذبتم بما دعوتكم إليه وجئتكم به وعجبتم٥ أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم، ولتتقوا الله بتوحيده وعبادته وطاعته رجاء أن ترحموا فلا تعذبوا أمن هذا يتعجب العقلاء؟ وكانت النتيجة لهذه الدعوة المباركة الخيّرة أن كذبوه فأنجاه ربه والمؤمنين معه، وأغرق الظالمين المكذبين، لأنهم كانوا قوماً عمين فلا يستحقون البقاء والنجاة قال تعالى ﴿فكذبوه فأنجيناه والذين معه في
٢ غيره: مرفوع على النعت لأنه المرفوع تقديراً، إذ الأصل رفعه، وجُرَّ بحرف الجرّ الزائد الذي هو مِنْ.
٣ الملأ: هم أشراف القوم ورؤساؤهم الذين إذا نظر إليهم ملأوا العين وإذا جلسوا ملأوا المجلس، هذا أصل الكلمة.
٤ النصح: إخلاص القول والعمل من شوائب الفساد، بمعنى تخليص القول أو العمل مما هو ضار أو غير نافع للمنصوح له، ويقال نصحه ونصح له والمعنى واحد، والاسم النصيحة، والناصح الخالص من العسل مثل الناصح الذي لا شائبة فيه.
٥ قوله تعالى: {أو عجبتم﴾ الهمزة للاستفهام، والواو عاطفة على جملة محذوفة كما هي في التفسير.