﴿النعاس أمنة منه١﴾ أي أماناً منه تعالى لكم فإن العبد إذا خامره النعاس هدأ وسكن وذهب الخوف محنه، وثبت في ميدان المعركة لا يفر ولا يرهب ولا يهرب، ﴿وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان﴾ وهذه نعمة أخرى، فقد كانت الأرض رملية تسوح فيها أقدامهم لا يستطيعون عليها كراً ولا فراً، وقل ماؤهم فصاروا ظماءً عطاشاً، محدثين، لا يجدون ما يشربون ولا ما يتطهرون به من أحداثهم ووسوس الشيطان لبعضهم بمثل قوله: تقاتلون محدثين كيف تنصرون، تقاتلون وأنتم عطاش وعدوكم ريان إلى أمثال هذه الوسوسة، فأنزل الله تعالى على معسكرهم خاصة مطراً غزيراً شربوا وتطهروا وتلبدت به التربة فأصبحت صالحة للقتال عليها، هذا معنى قوله تعالى ﴿وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان﴾ أي وسواسه ﴿وليربط على قلوبكم﴾ أي يشد عليها بما أفرغ عليها من الصبر وما جعل فيها من اليقين لها ﴿ويثبت٢به الأقدام﴾ ونعمة أخرى واذكر ﴿إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم﴾ بتأييدي ونصري ﴿فثبتوا الذين آمنوا﴾ أي قولوا لهم من الكلام تشجيعاً لهم ما يجعلهم يثبتون في المعركة ﴿سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب﴾ أي الخوف أيها المؤمنون ﴿فاضربوا فوق٣ الأعناق﴾ أي اضربوا المذابح ﴿واضربوا منهم كل بنان٤﴾ أي أطراف اليدين والرجلين حتى لا يستطيعوا ضرباً بالسيف، ولا فراراً بالأرجل وقوله تعالى ﴿ذلك ٥بأنهم شاقوا الله ورسوله﴾ أي عادوهما وحاربوهما ﴿ومن يشاقق الله ورسوله﴾ ينتقم منه ويبطش به ﴿فإن الله شديد العقاب﴾، وقوله تعالى ﴿ذلكم فذوقوه﴾ أي ذلكم العذاب القتل والهزيمة فذوقوه في الدنيا وأما الآخرة فلكم فيها عذاب النار.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:

١ أمنة: مصدر أمن أمنة وأمناً وأماناً وهو منصوب على الحال، أو المصدرية.
٢ هذا عائد على الماء الذي شدّ دهس أرض الوادي، ويصح أن يكون عائداً إلى ربط القلوب، فيكون تثبيت الأقدام عبارة عن النصر والمعونة في الحرب.
٣ هذا الأمر إرشادي للملائكة وللمؤمنين معاً.
٤ واحد البنان: بنانة، والمراد بها هتا الأصابع الممسكة بالسيف والرمح حتى تعجز عن قتال المسلمين وضربهم.
٥ ذلك: مبتدأ والخبر محذوف تقدير الكلام: الأمر ذلك، والجملة تعليلية لأنّ الباء في قوله: ﴿بأنهم﴾ سببية.


الصفحة التالية
Icon