وذلك بعد موته وانتقاله إلى الآخرة، وقوله تعالى ﴿فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم﴾ يخبر تعالى عباده المؤمنين الذين حرم عليهم التولي ساعة الزحف وتوعدهم بالغضب وعذاب النار يوم القيامة أنهم لم يقتلوا المشركين على الحقيقة وإنما الذي قتلهم هو الله فهو الذي أمرهم وقدرهم وأعانهم، ولولاه ما قتل أحد ولا مات فليعرفوا هذا حتى لا يخطر ببالهم أنهم هم المقاتلون وحدهم. وحتى رمي رسوله المشركين بتلك التي وصلت إلى جل أعين المشركين في المعركة فأذهلتهم وحيرتهم بل وعوقتهم عن القتال وسببت هزيمتهم كان الله تعالى هو الرامي الذي أوصل التراب إلى أعين المشركين، إذ لو ترك الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا لقوته لما وصلت حثية التراب إلى أعين الصف الأول من المقاتلين المشركين، ولذا قال تعالى ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى١﴾ وقوله تعالى ﴿وليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً﴾ أي فعل تعالى ذلك القتل بالمشركين والرمي بإيصال التراب إلى أعينهم ليذل الكافرين ويكسر شوكتهم ﴿وليبلي٢ المؤمنين﴾ أي ولينعم عليهم الأنعام الحسن بنصرهم وتأييدهم في الدنيا وإدخالهم الجنة في الآخرة. وقوله تعالى ﴿إن الله سميع عليم﴾ بمقتضى هاتين الصفتين كان الإبلاء الحسن، فقد سمع تعالى أقوال المؤمنين واستغاثتهم به، وعلم ضعفهم وحاجتهم فأيدهم ونصرهم فكان ذلك منه إبلاء حسناً، وقوله تعالى ﴿ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين﴾ أي ذلكم القتل والرمي والإبلاء كله حق واقع بقدرة الله تعالى ﴿وأن الله موهن﴾ أي مضعف ﴿كيد الكافرين﴾ فكلما كادوا كيداً بأوليائه وأهل طاعته أضعفه وأبطل مفعوله، وله الحمد والمنة. وقوله تعالى ﴿إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح، وإن تنتهوا فهو خير لكم﴾ هذا خطاب للمشركين حيث قال أبو جهل وغيره من رؤساء المشركين٣ "اللهم أينا كان أفجر لك واقطع للرحم فأحنه اليوم، اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة" أي أهلكه الغداة يوم بدر فأنزل الله تعالى ﴿إن
٢ {وليبلي﴾، الجملة متعلقة بمحذوف تقديره: فعل ذلك أي النصر، والهزيمة للكفار ليبلي المؤمنين... الخ.
٣ قالوا هذا وهم يتجهّزون للقتال في مكة، وقالوه في ساحة بدر قبل القتال.