تحشرون} فالذي يعلم أنه سيحشر رغم أنفه إلى الله تعالى كيف يسرع له عقله أن يسمع نداءه بأمره فيه أو ينهاه فيعرض عنه، وقوله ﴿واتقوا فتنة١ لا تصيبن٢ الذين ظلموا منكم خاصة﴾ تحذير آخر عظيم للمؤمنين من أن يتركوا طاعة الله ورسوله، ويتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فينتشر الشر ويعم الفساد، وينزل البلاء فيعم الصالح والطالح، والبار والفاجر٣، والظالم والعادل، وقوله ﴿واعلموا أن الله شديد العقاب﴾. وهو تأكيد للتحذير بكونه تعالى إذا عاقب بالذنب والمعصية فعقابه قاس شديد لا يطاق فليحذر المؤمنون ذلك بلزوم طاعة الله ورسوله. وقوله تعالى: ﴿واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون﴾ هذه موعظة ربانية لأولئك المؤمنين الذين عايشوا الدعوة الإسلامية من أيامها الأولى بذكرهم ربهم بما كانوا عليه من قلة وضعف يخافون أن يتخطفهم الناس لقلتهم وضعفهم، فآواهم عز وجل إلى مدينة نبيه المنورة ونصرهم بجنده فعزوا بعد ذلة واستغنوا بعد عيلة وفاقة، ورزقهم من الطيبات من مطعم ومشرب وملبس ومركب، ورزقهم من الطيبات إكراماً لهم، ليعدهم بذلك للشكر إذ يشكر النعمة من عاشها ولابسها، والشكر حمد المنعم والثناء عليه وطاعته ومحبته وصرف النعمة في سبيل مرضاته، والله يعلم أنهم قد شكروا فرضي الله عنهم وأرضاهم وألحقنا بهم صابرين شاكرين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:

١ قال ابن عباس في هذه الآية أمر الله تعالى المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمّهم العذاب، وفي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش أنها سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون قال: نعم إذا كثر الخبث".
٢ إعراب هذه الجملة مشكل نكتفي بعرض صورتين: الأولى أنها كقوله: ﴿ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم﴾ أي: إن تدخلوا لا يحطمنّكم فيكون معنى الآية: إن تتقوا... لا تصيبنّ فدخلت نون التوكيد لما في التركيب من معنى الجزاء، والثانية: تكون على حذف القول أي: اتقوا فتنة مقول فيها: لا تصيبنّ الذين ظلموا... كقول الشاعر:
حتى إذا جنّ الظلام واختلط جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط
أي مقول فيه: هل رأيت.. الخ فقوله فتنة موصوف بجملة مقول فيها: لا تصيبنّ.
٣ روى أحمد عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده قالت. قلت: يا رسول الله أما فيهم أناس صالحون؟ قال بلى. قالت: كيف يصنع أولئك؟ قال: يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان".


الصفحة التالية
Icon