يجعل لكم فرقاناً: نوراً في بصائركم تفرقون به بين النافع والضار والصالح والفاسد.
ويكفر عنكم سيآتكم: أي يمحوا عنكم ما سلف من ذنوبكم التي بينكم وبينه.
ويغفر لكم ذنوبكم: أي يغطيها فيسترها عليكم فلا يفضحكم بها ولا يؤاخذكم عليها.
معنى الآيات:
هذا نداء رباني آخر يوجه إلى المؤمنين ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي يا من آمنتم بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً. ﴿لا تخونوا الله والرسول﴾ بأن يظهر أحدكم الطاعة لله ورسوله، ويستسر المعصية، ولا تخونوا أماناتكم التي يأتمن بعضكم بعضاً عليها ﴿وأنتم تعلمون﴾ عظيم جريمة الخيانة وآثارها السيئة على النفس والمجتمع، هذا ما دلت عليه الآية الأولى في هذا السياق ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا١ الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون﴾ وقوله تعالى ﴿واعلموا إنما٢ أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم﴾ فيه إشارة إلى السبب الحامل على الخيانة غالباً وهو المال والأولاد فأخبرهم تعالى أن أموالهم وأولادهم فتنة تصرفهم عن الأمانة والطاعة، وأن ما يرجوه من مال أو ولد ليس بشيء بالنسبة إلى ما عند الله تعالى إن الله تعالى عنده أجر عظيم لمن أطاعه واتقاه وحافظ على أمانته مع الله ورسوله ومع عباد الله وقوله تعالى في الآية الثالثة ﴿يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله٣ يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئآتكم ويغفر لكم﴾ هذا حض على التقوى وترغيب فيها بذكر أعظم النتائج لها وهي أولاً إعطاء الفرقان وهو النصر والفصل بين كل مشتبه، والتمييز بين الحق والباطل والضار والنافع، والصحيح والفاسد، وثانياً تكفير السيئآت، وثالثاً مغفرة الذنوب ورابعاً الأجر العظيم الذي هو الجنة ونعيمها إذ قال تعالى
٢ وهذه الآية عامّة أيضاً وإن قيل إنها نزلت في أبي لبابة إذ كان له مال وولد في بني قريظة فلا يُتهم لأجل ذلك.
٣ قال بعضهم واصفاً للتقوى المورثة للفرقان فقال: هي امتثال الأوامر واجتناب المناهي، وترك الشبهات مخافة الوقوع في المحرمات وشحن القلب بالنية الخالصة، والجوارح بالأعمال الصالحة، والتحفظ من شوائب الشرك الخفي والظاهر.