الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل١ مرة} أي يعاهدون فيها. ﴿وهم لا يتقون﴾ أي لا يخافون عاقبة نقض المعاهدات والتلاعب بها حسب أهوائهم. وقوله تعالى. ﴿فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم٢ من خلفهم لعلهم يذكرون﴾ يرشد رسوله آمراً إياه بما يجب أن يتخذه إزاء هؤلاء الناكثين للعهود المنغمسين في الكفر. بحيث لا يخرجون منه بحال من الأحوال، ويشهد لهذه الحقيقة أنهم لما حوصروا في حصونهم ونزلوا منها مستسلمين كان يعرض على أحدهم الإسلام حتى لا يقتل فيؤثر باختياره القتل على الإسلام وماتوا كافرين وصدق الله إذ قال ﴿فهم لا يؤمنون﴾ فهؤلاء إن ثقفتهم في حرب أي وجدتهم متمكناً منهم فاضربهم بعنف وشدة وبلا هوادة حتى تشرد أي تفرق بهم من خلفهم من أعداء الإسلام المتربصين بك الدوائر من كفار قريش وغيرهم لعلهم يذكرون أي يتعظون فلا يفكروا في حربك وقتالك بعد، وقوله ﴿وإما تخافن من قوم خيانة فأنبذ٣ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين﴾ هذا إرشاد آخر للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعلق بالخطط الحربية الناجحة وهو أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن خاف من قوم معاهدين له خيانة ظهرت أماراتها وتأكد لديك علاماتها فاطرح تلك المعاهدة ملغياً لها معلناً ذلك لتكون وإياهم على علم تام بإلغائها، وذلك حتى لا يتهموك بالغدر والخيانة، والله لا يحب الخائنين. وقاتلهم مستعيناً بالله عليهم وستكون الدائرة على الناكث الخائن، وهذا ضرب من الحزم وصحة العزم إذ ما دام قد عزم العدو على النقض فقد نقص فليبادر لافتكاك عنصر المباغتة من يده، وهو عنصر مهم في الحروب. وقوله تعالى ﴿ولا يحسبن الذين كفروا﴾ وهم من هرب من بدر من كفار قريش ﴿سبقوا٤﴾ أي فاتوا فلم يقدر الله تعالى عليهم ﴿إنهم لا يعجزون﴾ أي إنهم لا يعجزون الله بحال فإنه
٢ يقال: شرد البعير أو الدابة إن فارقت صاحبها، وشرّده إذا عمل على تشريده بسبب، وشردت بني فلان: إذا حملتهم على مفارقة منازلهم قال الشاعر:
أطوّف ني الأباطح كل يوم | مخافة أن يُشرّد بي حكيم |
٤ أي: من أفلت من وقعة بدر سبق إلى الحياة، وقوله تعالى: ﴿إنهم لا يعجزون﴾ أي: في الدنيا حتى يظفرك الله بهم.