ما تكسبون.: أي من خير وشر، وصلاح فساد.
معنى الآيات:
يخبر تعالى بأنه المستحق للحمد كله وهو الوصف بالجلال والجمال والثناء بهما عليه وضمن ذلك يأمر عباده أن يحمدوه كأنما قال قولوا الحمد لله، ثم ذكر تعالى موجبات حمده دون غيره فقال: ﴿الذي خلق السموات١ والأرض٢ وجعل الظلمات والنور﴾ فالذي أوجد السموات والأرض وما فيهما وما بينهما من سائر المخلوقات وجعل الظلمات٣ والنور وهما من أقوى عناصر الحياة هو المستحق للحمد والثناء لا غيره ومع هذا فالذين كفروا من الناس يعدلون به أصناماً وأوثاناً ومخلوقات فيعبدونها معه يا للعجب!!
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (١) أما الآية الثانية (٢) فإنه تعالى يخاطب المشركين موبخاً لهم على جهلهم مندداً بباطلهم فيقول: ﴿هو الذي خلقكم من٤ طين﴾ لأن آدم أباهم خلقه من طين ثم تناسلوا منه فباعتبار أصلهم هم مخلوقون من طين ثم الغذاء الذي هو عنصر حياتهم من طين، ثم قضى لكلٍ أجلاً وهو عمره المحدد له وقضى أجل الحياة كلها الذي تنتهي فيه وهو مسمى عنده معروف له لا يعرفه غيره ولا يطلع عليه سواه ولحكم عالية أخفاه، ثم أنتم أيها المشركون الجهلة تشكُّون في وجوب توحيده، وقدرته على إحيائكم بعد موتكم٥ لحسابكم ومجازاتكم على كسبكم خيره وشره، حسنه وسيئه، وفي الآية الثالثة (٣) يخبر تعالى أنه هو الله المعبود بحق في السموات٦ وفي الأرض لا إله غيره ولا رب سواه ﴿يعلم

١ {الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور﴾ هاتان الجملتان هما مقتضيات الحمد لله وموجباته له تعالى، إذ من أوجد الكون كلّه وهو جواهر وإعراض، فالجواهر السموات والأرض وما فيهما وما بينهما، والأعراض الظلمة والنور هو المستحق للعبادة دون غيره فأبطل بهذا عبادة الأجسام كالأصنام والملائكة والأنبياء، وعبادة الأعراض كالظلمة والنور إلها المانوية.
٢ الأرض: اسم جنس، فالمراد بالأرض: الأرضون السبع كالنور اسم جنس والمراد به كل نور.
٣ من رشاقة الكلم جعل خلق للأجسام وجعل للأعراض في قوله: ﴿خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور﴾.
٤ قال القرطبي هل في هذه الآية دليل على أنّ الجواهر من جنس واحد؟ الجواب: نعم لأنّه إذا جاز أن ينقلب الطين إنساناً حياً قادراً عليماً جاز أن ينقلب إلى كل حال من أحوال الجواهر إذ صح انقلاب الجماد إلى حيوان بدلالة هذه الآية.
٥ ذكره تعالى أصل خلق الناس من طين فيه إشارة إلى الردّ على منكري البعث المحتجين على عدم إمكان الحياة الآخرة بكونهم بعد الموت يصيرون ترابا، وجهلوا أن صيرورتهم إلى تراب هو دليل إعادتهم إلى خلقهم من جديد إذ عادوا إلى أصل خلقهم ليعودوا إلى حياة أكمل من حياتهم الأولى.
٦ قال القرطبي في تفسير هذه الآية: ﴿وهو الله في السموات وفي الأرض﴾ أي: وهو الله المعظّم والمعبود في السموات وفي الأرض كما تقول: زيد الخليفة في الشرق والغرب أي حكمه.


الصفحة التالية
Icon