معنى الآيات:
هذه الآيات نزلت في غزوة تبوك فقد بلغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن هرقل ملك الروم قد جمع جموعه لحرب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعلن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التعبئة العامة، وكان الزمن صيفاً حاراً وبالبلاد جدب ومجاعة، وكان ذلك في شوال من سنة تسع، وسميت هذه الغزوة بغزوة العسرة فاستحثَّ الربّ تبارك وتعالى المؤمنين ليخرجوا مع نبيهم لقتال أعدائه الذين عزموا على غزوه في عقر داره فأنزل تعالى قوله ﴿يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله﴾ والقائل هو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿انفروا في سبيل الله﴾ أي اخرجوا للجهاد ﴿في سبيل الله﴾ أي لأجل رضاه سبحانه وتعالى وما عنده من نعيم مقيم. وقوله ﴿مالكم﴾ أي أي شيء يجعلكم لا تنفرون؟ وأنتم المؤمنون طلاب الكمال والإسعاد في الدارين. وقوله ﴿اثاقلتم إلى الأرض﴾ ١ أي تباطأتم عن الخروج راضين ببقائكم في دوركم وبلادكم. ﴿أرضيتم بالحياة الدنيا من٢ الآخرة؟﴾ ينكر تعالى على من هذه حاله منهم، ثم يقول لهم ﴿فما متاع الحياة الدنيا﴾ أي ما كل ما يوجد فيها من متع على اختلافها بالنسبة إلى ما في الآخرة من نعيم مقيم في جوار رب العالمين ﴿إلا قليل﴾ تافه لا قيمة له؛ فكيف تؤثرون القليل على الكثير والفاني على الباقي. ثم قال لهم ﴿إلاّ تنفروا﴾ أي إن تخليتم عن نصرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتركتموه يخرج إلى قتال الروم وحده ﴿يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم٣ ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير﴾. وفي هذا الخبر وعيد شديد اهتزت له قلوب المؤمنين.
وقوله تعالى ﴿إلا تنصروه﴾ ٤ أي إن خذلتموه ولم تخرجوا معه في هذا الظرف الصعب فقد نصره الله تعالى في ظرف أصعب منه نصره في الوقت الذي أخرجه الذين كفروا ﴿ثاني اثنين﴾ ٥ أي هو وأبو بكر لا غير، ﴿إذ هما في الغار﴾ أي غار ثور، ﴿إذ يقول

١ أصل {اثاقلتم﴾ : تثاقلتم فأدغمت التاء في الثاء لقرب مخرجهما وزيدت همزة الوصل للتوصل إلى النطق بالساكن ومثله: اداركوا وادّارأتم، واطيرنا، وازينت.
٢ أي: أرضيتم بنعيم الدنيا وراحتها بدلاً من نعيم الآخرة وسعادتها.
٣ أي: لا يقعدون عند استنفارهم للجهاد والخروج معه، وأنتم بتخلفكم لا تضرونه شيئاً، في الآية دليل على حرمة التثاقل عن الجهاد إذا كان مع كراهته ولا حرمة مع عدم الكراهة إلاّ أن يعيّنه الإمام فيجب.
٤ أصلها إن الشرطية أدغمت فيها لا النافية، والآية تحمل عتاباً شديداً، ومعنى الآية: إن تركتم نصرته فقد تكفل الله بها.
٥ أي: أحد اثنين كثالث ثلاثة ورابع أربعة.


الصفحة التالية
Icon