تنبّئهم بما في قلوبهم: أي تخبرهم بما يضمرونه في نفوسهم.
قل استهزئوا: الأمر هنا للتهديد.
مخرج ما تحذرون: أي مخرجه من نفوسكم مظهره للناس أجمعين.
نخوض ونلعب: أي نخوض في الحديث على عادتنا ونلعب لا نريد سباً ولا طعناً.
تستهزئون: أي تسخرون وتحتقرون.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن المنافقين لكشف الستار عنهم وإظهارهم على حقيقتهم ليتوب منهم من تاب الله عليه قال تعالى مخبراً عنهم ﴿يحذر١ المنافقون أن تنزّل عليهم٢ سورة تنبئّهم بما في قلوبهم﴾ أي يخشى المنافقون أن تنزل في شأنهم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿سورة تنبئههم﴾ أي تخبرهم بما في قلوبهم فتفضحهم، ولذا سميت هذه السورة بالفاضحة٣ وقوله تعالى لرسوله ﴿قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون﴾ يهددهم تعالى بأن الله مخرج ما يحذرون إخراجه وظهوره مما يقولونه في خلواتهم من الطعن في الإسلام وأهله. وقوله تعالى ﴿ولئن سألتهم﴾ أي عما قالوا من الباطل. لقالوا ﴿إنما كنا نخوض ونلعب٤﴾ لا غير. قل لهم يا رسولنا ﴿أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون﴾ وذلك أن نفراً من المنافقين في غزوة تبوك قالوا في مجلس لهم: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أحذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء! فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونزلت هذه الآيات: وجاءوا يعتذرون لرسوله الله فأنزل الله ﴿لا تعتذروا٥ قد كفرتم بعد إيمانكم﴾ أي الذي كنتم تدعونه، لأن الاستهزاء بالله والرسول والكتاب كفر مخرج من الملة، وقوله تعالى ﴿إن

١ يروى أن أحد المنافقين قال: والله وددت لو أني قُدّمت فجُلدت مائة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا فنزلت الآية: {يحذر المنافقون..﴾ وهي خبر وإن قال بعضهم هي إنشاء بمعنى: ليحذر المنافقون.
٢ معلوم أن القرآن ينزل على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله: ﴿عليهم﴾ بمعنى المؤمنين لأنهم والرسول في جانب والمنافقون في آخر، فصحّ أن يقال: تنزل على المؤمنين، والرسول معهم، وهو المختص بالوحي.
٣ وسميت أيضاً: المثيرة، والمبعثرة، والحفارة لأنها أثارت كامن المنافقين وبعثرته وحفرت ما في قلوبهم وأخرجته.
٤ ذكر الطبري أنّ قائل هذه المقالة: وديعة بن ثابت قال ابن عمر: رأيته معلقاً بحقب ناقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يماشيها والحجارة تنكبه وهو يقول: إنّما كنّا نخوض ونلعب والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون.
٥ ﴿لا تعتذروا﴾ نهاهم عن الاعتذار لأنه غير نافع لهم ولا مجدٍ واعتذر بمعنى: أعذر أي صار ذا عذر، والاعتذار محو أثر الموجدة أو هو القطع، أي قطع ما في القلب من الموجدة، ومنه قيل: عدرة الغلام: وهو ما يقطع منه عند الختان.


الصفحة التالية
Icon