جعلناه ملكاً} أي الرسول ملكاً لقالوا كيف نفهم عن الملك ونحن١ بشر فيطالبون بأن يكون بشراً وهكذا كما قال تعالى: ﴿ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً، وللبسنا عليهم﴾ خلطنا وشبهنا ما يخلطون على أنفسهم ويشبهون. ثم أخبر تعالى رسوله مسلياً له قائلاً ﴿ولقد استهزئ٢ برسل من قبلك﴾ كما استهزيء بك فاصبر، فقد حاق بالمستهزئين ما كانوا به يستهزئون، كانوا إذا خوفهم الرسل عذاب الله سخروا منهم واستخفوا بهم وبالعذاب الذي خوفوهم به، ثم أمر الله تعالى رسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول لأولئك المستهزئين بما يعدهم من عذاب ربهم وهم أكابر مجرمي قريش: ﴿قل سيروا٣ في الأرض﴾ جنوباً لتقفوا على ديار عاد أو شمالاً لتقفوا على ديار ثمود، أو غرباً لتقفوا على بحيرة لوط فتعرفوا ﴿كيف كان عاقبة المكذبين﴾ من أمثالكم لعلكم تحققون من طغيانكم وتكذيبكم فيسهل عليكم الرجوع.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- الآيات بمعنى المعجزات والخوارق لا تستلزم الإيمان بل قد تكون سبباً للكفر والعناد، ولذا لم يستجب الله لقريش ولم يعط رسوله ما طالبوه به هن الآيات.
٢- إنكار رسالة البشر عام في كل الأمم وقالوا ما هذا إلا بشر مثلكم في آيات كثيرة في حين أن إرسال الملائكة لا يتم معه هدف لعدم قدرة الإنسان على التلقي عن الملائكة والتفاهم معهم، ولو أنزل الله ملكاً رسولاً لقالوا نريده بشراً مثلنا ولحصل الخلط واللبس بذلك.
٣- الاستهزاء بالرسل والدعاة سنة بشرية لا تكاد تتخلف ولذا وجب على الرسل والدعاة الصبر على ذلك.
٤- عاقبة التكذيب والاستهزاء هلاك المكذبين المستهزئين.
٥- مشروعية زيارة القبور للوقوف٤ على مصير الإنسان ومآل أمره فإن في ذلك ما يخفف شهوة
٢ في هذه الآية تعزية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتسلية له ليصبر على ما يلاقيه من قومه من سخرية واستهزاء وعناد ومكابرة.
٣ قال القرطبي: هذا السفر مندوب إليه إذا كان على سبيل الاعتبار بآثار من خلا من الأمم وأهل الديار، وأقول على شرط أن يدخلوا تلك الديار باكين أو متباكين لا ضاحكين غافلين لاهين بأنواع الطعام والشراب.
٤ أخذاً من قول تعالى في الآية: ﴿قل سيروا في الأرض﴾ وشاهده من السنة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السنة الصحيحة: "كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة".