سلهم قائلاً: ﴿لمن١ ما في السموات والأرض﴾ خلقاً وإيجاداً أو ملكاً وتصرفاً وتدبيراً، واسبقهم إلى الجواب فقل لله، إذ ليس لهم من جواب إلا هذا: ﴿لله﴾، أي هو الله الذي ﴿كتب٢ على نفسه الرحمة﴾ قضى بها وأوجبها على نفسه، ومظاهرها متجلية في الناس: إنهم يكفرونه ويعصونه وهو يطعمهم ويسقيهم ويكلؤهم ويحفظهم، وما حمدوه قط. ومن مظاهر رحمته جمعه الناس ليوم القيامة ليحاسبهم ويجزيهم بعملهم الحسنة بعشر أمثالها أما السيئة فبسيئة مثلها فقط وهو ما دل عليه قوله: ﴿ليجمعنكم٣ إلى يوم القيامة لا ريب فيه﴾ أي الكائن الآتي بلا ريب ولا شك، وقوله تعالى: ﴿الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون﴾ يخبر تعالى أنَّ الذين كتب خسرانهم أزلاً في كتاب المقادير فهم لذلك لا يؤمنون رما كتب أزلاً لعلم تام بموقفهم هذا الذي هم وافقوه من الكفر والعناد والشرك والشر والفساد، بذلك استوجبوا الخسران هذا ما دلت عليه الآية الأولى (١٢) أما الآية الثانية (١٣) ﴿وله ما سكن في الليل والنهار﴾ وهذا تقرير بأنه رب كل شيء والمالك لكل شيء إذ ما هناك إلا ساكن ومتحرك وهو رب الجميع، وهو السميع لأحوال عباده وسائر مخلوقاته العليم بأفعالهم الظاهرة والباطنة ولذا لأ يسأل عما يفعل ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ومن هنا وجب اللجأ إليه والتوكل عليه، والانقياد لأمره ونهيه. وقوله تعالى في الآية الثالثة (١٤) ﴿قل أغير٤ الله أتخذ ولياً فاطر السموات والأرض وهو يُطْعِم ولا يُطْعَم﴾ يأمر تعالى رسوله أن يرد على المشركين المطالبين منه أن يوافقهم على شركهم ويعبد معهم آلهتهم فيقول: أفغير الله فاطر السموات والأرض الذي يطعم غيره لافتقاره إليه، ولا يطعم٥ لغناه المطلق أغيره تعالى أتخذ ولياً أعبده كما اتخذتم أنتم أيها المشركون أولياء تعبدونهم. إن هذا لن يكون أبداً كما أمره ربه تعالى أن يقول في صراحة ووضوح، ﴿إني أمرت أن أكون أول من أسلم﴾ أي وجهه لله، وأقبل عليه يعبده

١ هذا حجاج مع المشركين آخر: قل لهم لمن ما في السموات والأرض؟ فإن قالوا: لمن هو؟ قل: لله، ولكن لا يقولون إلاّ الله، لمعرفتهم أن غير الله لا يخلق ولا يرزق ولا يملك.
٢ ولذا لم يعاجلهم بالعقوبة التي يقتضيها كفرهم وعنادهم، روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنَّ الله لمّا خلق الخلق كتب كتاباً عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي".
٣ اللاّم: للقسم أي: وعزتي وجلالي ليجمعنكم في يوم القيامة الذي كذّبتم به وهو لا شك فيه.
٤ الاستفهام إنكاري وقدم المفعول الأول: ﴿أغير الله﴾ لأنّه هو المقصود بالإنكار.
٥ أي يرزُق ولا يُرزق كقوله تعالى: ﴿ما أريد منهم من رزق ولها أريد أن يطعمون﴾ وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير ﴿وهو يُطعم ولا يطعم﴾ بفتح العين أي إنّه يُطعم عباده بالرزق وهو لا يطعم لاستحالة احتياجه إلى الغذاء كما يحتاجه المخلوقون من عباده.


الصفحة التالية
Icon