فقال ﴿إن الله اشترى١ من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن٢ لهم الجنة﴾ وهذا هو المُثَّمَن الذي أعطى الله تعالى فيه الثمن وهو الجنة، وقوله ﴿يقاتلون في سبيل الله فيقتُلون﴾ أي أعداء الله المشركين ﴿ويقتلون﴾ ٣ أي يستشهدون في معارك القتال وقوله ﴿وعداً عليه حقاً٤ في التوراة والإنجيل والقرآن﴾ أي وعدهم بذلك وعداً وأحقه حقاً أي أثبته في الكتب الثلاثة التوراة والإنجيل والقرآن تقريراً له وتثبيتاً وقوله ﴿ومن أوفى بعهده من الله﴾ استفهام بمعنى النفي أي لا أحد مطلقاً أوفى بعهده إذا عاهد من الله تعالى وقوله ﴿فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به﴾ فبناء على ذلك فاستبشروا٥ أيها المؤمنون ببيعكم الذي بايعتم الله تعالى به أي فسروا٦ بذلك وافرحوا وذلك البيع والاستبشار هو الفوز العظيم الذي لا فوز خير ولا أعظم منه.
وقوله ﴿التائبون﴾ ٧ قوله: ﴿والحافظون لحدود الله﴾ هو ذكر لأوصاف أهل البيع وتحديد لهم فهم الموصوفون بتسع صفات الأولى التائبون أي من الشرك والمعاصي والثانية العابدون وهم المطيعون لله طاعة ملؤها المحبة لله تعالى والتعظيم له والرهبة منه والثالثة الحامدون لله تعالى في السراء والضراء وعلى كل حال والرابعة السائحون وهم الصائمون كما في الحديث٨ والذين يخرجون في سبيل الله لطلب علم أو غزو أو تعليم أو دعوة إلى الله تعالى ليُعْبد ويوحَّد ويُطاع في أمره ونهيه والخامسة والسادسة الراكعون الساجدون أي المقيمون الصلاة المكثرون من نوافلها كأنهم دائماً في ركوع وسجود والسابعة والثامنة الآمرون بالمعروف وهو الإيمان بالله وتوحيده وطاعته وطاعة رسوله

١ حصل هذا لبعض أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيعة العقبة، إذ قال عبد الله بن رواحة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشترط لربي أن تعبده ولا تشركوا به شيئاً، واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم قالوا: فإذا فمنا ذلك فما لنا؟ قال: الجنة. قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل".
٢ الباء في الشراء تدخل على الثمن تقول: بعتك الدار بكذا ألفاً، ولذا قال هنا: ﴿بأن لهم الجنة﴾ فالجنة هي الثمن المشتري به الأنفس والأموال.
٣ قوله تعالى ﴿يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون﴾ بيَّن فيه مكان تسليم البضاعة المشتراه وهي الأنفس.
٤ ﴿وعدا﴾ و ﴿حقا﴾ مصدران مؤكدان.
٥ أي: أظهروا السرور على بشرة وجوهكم.
٦ فسُرُّوا: أي أظهروا السرور.
٧ ﴿التائبون﴾ هم الراجعون من الحالة المذمومة إلى الحالة المحمودة والتائب: الراجع، والراجع إلى الطاعة أفضل من الراجع عن المعصية لجمعه بين الأمرين.
٨ روى الطبراني عن عائشة رضي الله عها أنها قالت: سياحة هذه الأمة الصيام، ورواه أبو هريرة مرفوعاً إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سياحة أمتي الصيام" وروي أيضاً عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله".


الصفحة التالية
Icon