بما رحبت: أي على اتساعها ورحابتها.
أن لا ملجأ: أي إذ لا مكان للُّجوء فيه والهرب إليه.
الصادقين: في نياتهم وأقوالهم وأعمالهم والصدق ضد الكذب.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في أحداث غزوة تبوك وفي هذه الآيات الثلاث إعلان عن شرف وكرامة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه البررة من الأنصار والمهاجرة إذ قال تعالى ﴿لقد تاب الله١ على النبي والمهاجرين والأنصار﴾ أي أدامها (التوبة) وقبلها وقوله ﴿الذين اتبعوه في ساعة العسرة﴾ ٢ أي عند خروجه إلى تبوك في الحر الشديد والفاقة الشديدة وقوله ﴿من بعد ما كاد يزيغ قلوبك٣ فريق منهم﴾ وذلك لصعوبة الحال وشدة الموقف لقد عطشوا يوماً كما قال عمر رضي الله عنه كان أحدنا يذبح بعيره ويعصر فرثه فيشرب ماءه ويضع بعضه على كبده فخطر ببعض القوم خواطر كادت القلوب تزيغ أي تميل عن الحق ولكن الله تعالى ثبتهم فلم يقولوا سوءاً ولم يعملوه لأجل هذا أعلن الله تعالى في هذه الآيات عن كرامتهم وعلو مقامهم ثم تاب عليهم إنه هو التواب الرحيم وقوله ﴿وعلى الثلاثة الذين خلفوا﴾ وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية ومعنى خلفوا أرجئوا في البت في توبتهم إذ تقدم قوله تعالى ﴿وآخرون مرجون لأمر الله﴾ فقد تخلفت توبتهم خمسين يوماً ﴿حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت٤ وضاقت عليهم أنفسهم٥ وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه﴾ فصبروا على شدة ألم النفس من جراء المقاطعة التي أعلنها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم انتظاراً لحكم الله لأنهم تخلفوا عن الخروج مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى تبوك ولم يكن لهم عذر، فلذا لما قدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقدم المخلفون فاعتذروا فقبل منهم رسول الله وتاب الله على المؤمنين منهم ولم يتقدم هؤلاء الثلاثة ليعتذروا خوفاً من الكذب فآثروا جانب

١ قال ابن عباس رضي الله عنهما كانت التوبة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأجل إذنه للمنافقين في القعود دليله قوله تعالى: ﴿عفا الله عنك لم أذنت لهم﴾ ؟ وعلى المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه.
(العسرة) صعوبة الأمر، قال جابر: اجتمع عليهم عسرة الظهر أي: (المركوب) وعسرة الزاد وعسرة الماء قال ابن عرفة: سمي جيش غزوة تبوك جيش العسرة: لأنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ندب الناس إلى الغزو في حمارة الغيظ فغلظ عليهم وعسر.
٣ تدارك قلوبهم حتى لم تزغ، وتلك سنته مع أوليائه إذا أشرفوا على العطب أمطر عليهم سحائب رحمته فأحيا قلوبهم.
٤ ﴿رحبت﴾ بمعنى: اتسعت، وما: مصدرية، أي ضاقت عليهم الأرض برحبها: أي: على رحبها لأنهم كانوا مهجورين لا يكلمون ولا يعاملون حتى من اقرب الناس إليهم، وفي هذا دليل على مشروعية هجران أهل المعاصي حتى يتوبوا.
٥ أي: ضاقت صدورهم بالهمّ.


الصفحة التالية
Icon