أي سكانها من المهاجرين والأنصار ﴿ومن حولهم من الأعراب﴾ أي ومن النازلين حول المدينة من الأعراب كمزينة وجهينة وغفار وأشجع وأسلم ﴿أن يتخلفوا عن رسول الله﴾ إذا خرج إلى جهاد ودعا بالنفير العام وفي هذا عتاب ولوم شديد لمن تخلفوا عن غزوة تبوك وقوله ﴿ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه﴾ أي بأن يطلبوا لأنفسهم الراحة دون نفس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله ﴿ذلك﴾ أي النهي الدال عليه بصيغة ما كان لأهل المدينة وهي أبلغ من النهي بأداته (لا) لأنه نفي للشأن أي هذا مما لا ينبغي أن يكون أبداً. وقوله ﴿بأنهم لا يصيبهم﴾ بسبب أنهم لا يصيبهم ﴿ظمأ﴾ أي عطش ﴿ولا نصب﴾ أي تعب ﴿ولا مخمصة﴾ ١ أي جوع شديد في سبيل الله أي في جهاد أهل الكفر لإعلاء كلمة الإسلام التي هي كلمة الله ﴿ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار﴾ أي ولا يطأون أرضاً من أرض العدو يغتاظ لها العدو الكافر ويحزن ﴿ولا ينالون من عدو﴾ ٢ أي لله تعالى ﴿نيلاً﴾ أي منالاً أي أسرى أو قتلى أو غنيمة منه أو هزيمة له ﴿إلا كتب لهم به عمل صالح﴾ فلهذا لا ينبغي لهم أن يتخلفوا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى لا يفوتهم هذا الأجر العظيم. وقوله ﴿إن الله لا يضيع أجر المحسنين﴾ تعليل لتقرير الأجر وإثباته لهم إن هُم خرجوا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأحسنوا الصحبة والعمل وقول تعالى ﴿ولا ينفقون نفقة﴾ أي في سبيل الله الذي هو هنا الجهاد ﴿صغيرة ولا كبيرة﴾ أي قليلة ولا كثيرة ﴿ولا يقطعون وادياً﴾ ذاهبين إلى العدو أو راجعين ﴿إلا كتب لهم﴾ ٣ أي ذلك المذكور من النفقة والسير٤ في سبيل الله. وقوله تعالى ﴿ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون﴾ أي جزاء أحسن عمل كانوا يعملونه قبل خروجهم في سبيل الله. وقوله تعالى ﴿فلولا نفر من كل فرقة﴾ ٥ أي قبيلة منهم طائفة أي جماعة ﴿ليتفقهوا في الدين﴾ بما

١ أصل المخمصة: ضمور البطن يقال: رجل خمص الباطن أي: ضامره وامرأة خمصانة.
٢ يقال: نال الشيء يناله: إذا أصابه، فينالون: بمعنى يصيبون.
٣ قال ابن عباس بكل روعة تنالهم في سبيل الله سبعون ألف حسنة. وجاء في الصحيح في شأن الخيل وفيه: "وأمّا التي هي له أجر فرجلٌ ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج أو روضة فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة إلا كتب عدد ما أكلت حسنات، وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات".
٤ روى مسلم وأبو داود أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لقد تركتم بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم فيه قالوا يا رسول الله وكيف يكونون معنا وهم في المدينة؟ قال حبسهم العذر".
٥ هذه الآية دليل على أن الجهاد فرض كفاية ولا يتعين إلا إذا عيّنة الإمام أو هاجم العدو دار قوم مؤمنين فيجب عليهم قتاله كافة كما هي نص في وجوب طلب العلم وهو بالرحلة الطويلة إليه. وفي الحديث "طلب العلم فريضة على كل مسلم" وهذا الحديث دليل على أن طلب العلم يكون فرض عين ويكون فرض كفاية.


الصفحة التالية
Icon