يعبدونها معه وهي لم تخلق شيئاً أما الله فإنه الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام بمقدار أيامنا هذه إذ لم تكن يومئذ أياماً كأيام الدنيا هذه، ثم استوى على عرشه استواء يليق بجلاله وكماله يدبر١ أمر السماء والأرض. هذا هو الإله الحق الذي يجب أن يعبد ويتقرب إليه. وقوله: ﴿ما من٢ شفيع إلا من بعد إذنه﴾ أي وأنه لعظمته وعزة سلطانه لا يقدر أحد أن يشفع لآخر إلا بعد إذنه له فكيف إذاً تعبد هذه الأصنام رجاء شفاعتها لعابديها، والله لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه؟ وقوله تعالى ﴿ذلكم الله ربكم فاعبدوه﴾ أي هذا الموصوف بهذه الصفات المعرَّف بهذه النعوت من الجلال والكمال هو ربكم الحق فاعبدوه بما شرع لكم من أنواع العبادات تكملوا وتسعدوا وقوله ﴿أفلا تذكرون﴾ هر توبيخ للمشركين لهم لِمَ لا تتعظون بعد سماع الحق. وقوله تعالى ﴿إليه مرجعكم بعد موتكم جميعاً وعد الله حقاً﴾ ٣ تقرير لمبدأ البعث الآخر أي إلى الله تعالى ربكم الحق مُرجعكم بعد موتكم جميعاً إذ وعدكم وعد الحق بالرجوع إليه والوقوف بين يديه وقوله ﴿ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط﴾ ٤ أي بالعدل: بيان لعلة الحياة بعد الموت إذ هذه الدار دار عمل والآخرة دار جزاء على هذا العمل فلذا كان البعث واجباً حتماً لا بد منه ولا معنى لإنكاره لأن القادر على البدء قادر على الإعادة من باب أولى وأحرى وقوله تعالى ﴿والذين كفروا لهم شراب من حميم﴾ أي ماء حار قد بلغ المنتهى في حرارته وعذاب أليم أي موجع إخبار منه تعالى بجزاء أهل الكفر يوم القيامة وهو علة أيضاً للحياة بعد الموت والبعث بعد الفناء وبهذا تقرر مبدأ البعث كما تقرر قبله مبدأ التوحيد ومن قبل مبدأ الوحي إذ على هذه القضايا تدور السور المكية وقوله تعالى ﴿هو الذي جعل الشمس ضياء﴾ أي ذات ضياء والقمر نوراً ذا نور وقدر القمر منازل٥ وهي ثمانية وعشرون منزلة يتنقل فيها القمر، فعل ذلك ﴿لتعلموا عدد السنين والحساب﴾ ٦ فتعرفون
٢ ﴿ما من شفيع﴾ أي: لا شفيع يشفع إلا بعد إذنه له بالشفاعة.
٣ ﴿وعدا﴾ و ﴿حقا﴾ : مصدران بمعنى وعدكم وعدا وأحقه حقا. أي: صدقا لا خلف فيه.
٤ الجملة: ﴿انه يبدؤ الخلق﴾ : واقعة موقع الدليل على إنجاز وعده تعالى لأن الذي خلق من تراب وماء قادر على البعث والجزاء.
٥ المنازل: جمع منزل، وهو مكان النزول والمراد بها سُمُوتُ بلوغ القمر فيها للناس كل ليلة في سمت منها كأنه ينزل بها، وللشمس منازل تسمى بروجاً وهي اثنا عشر برجا تحل فيها الشمس في فصول السنة لكل برج منزلتان وثلث.
٦ ﴿الحساب﴾ مصدر حسُب يحسُب لضم السين حسابا بمدد عدَّ أما حسِب بكسر السين فهو بمعنى ظن ومضارعه يحسب بفتح السين وكسرها لغتان فصيحتان. وبهما قرىء: أيحسب الإنسان وكل يحسب بمعنى يظن.