الكريمة بيان جزاء كل ممن كذب بلقاء الله فلم يرجُ ثواباً ولم يخشَ عقاباً ورضيَ بالحياة الدنيا واطمأن بها، وممن آمن بالله ولقائه ووعده ووعيده فآمن بذلك وعمل صالحاً فقال تعالى ﴿إن الذين لا يرجون١ لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها﴾ ٢ أي سكنت نفوسهم إليها وركنوا فعلاً إليها ﴿والذين هم عن آياتنا غافلون﴾ أي آياته الكونية في الآفاق والقرآنية وهي حُجج الله تعالى وأدلته الدالة على وجوده وتوحيده ووحيه وشرعه غافلون عنها لا ينظرون فيها ولا يفكرون فيما تدل لإنهماكهم في الدنيا حيث أقبلوا عليها وأعطوها قلوبهم ووجوههم وكل جوارحهم. هؤلاء يقول تعالى في جزائهم ﴿أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون﴾ أي من الظلم والشر والفساد. ويقول تعالى في جزاء من آمن بلقائه ورجا ما عنده ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم﴾ أي إلى طريق الجنة ﴿بإيمانهم﴾ أي بنور إيمانهم فيدخلونها ﴿تجري من تحتهم٣ الأنهار في جنات النعيم﴾. ونعيم الجنة روحاني وجسماني فالجسماني يحصلون عليه بقولهم: سبحانك اللهم، فإذا قال أحدهم هذه الجملة "سبحانك اللهم"٤ حضر لديه كل مُشتهى له. والروحاني يحصلون عليه بسلام الله تعالى عليهم وملائكته ﴿وتحيتهم فيها سلام﴾ وإذا فرغوا من المآكل والمشارب قالوا: الحمد لله رب العالمين. وهذا معنى قوله ﴿دعواهم فيها سبحانك اللهم﴾ أي دعاؤهم أي صيغة طلبهم ﴿وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم﴾ أي دعائهم ﴿أن﴾ أي أنه: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ ٥
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- التحذير من نسيان االآخرة والإقبال على الدنيا والجري وراء زخارفها.
٢ أي: سكنت نفوسهم إليها وصرفوا كل همهم لها طلباً لتحصيل منافعها فلم يسعوا لتحصيل ما ينفع في الآخرة لأنهم سكنوا إلى الدنيا، والساكن لا يتحرّك ووصف بأنه لها يرضى لها يغضب ولها يفرح ولها يهتم ويحزن.
٣ ﴿من تحتهم﴾ من تحت بساتنهم ومن تحت أسرّتهم كذلك وهو أحسن قي النزهة والفرجة.
٤ إنه ثناء مسوق للتعرض إلى إفاضة النعيم من طعام وشراب وهو كما قال ابن أبي الصلت:
إذا أثنى عليك المرء يوما | كفاه من تعرّضه الثناء |