معنى الآيات:
يقول تعالى لرسوله: ولو ترى١ إذ وقف أولئك لمنكرون للبعث القائلون ﴿إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين﴾، لو تراهم وقد حبسوا لقضاء الله وحكمه فيهم وقيل لهم وهم يشاهدون أهوال القيامة وما فيها من حساب وجزاء وعذاب ﴿أليس٢ هذا بالحق﴾ أي الذي كنتم تكذبون فيسارعون بالإجابة قائلين ﴿بلى، وربنا﴾، فيحلفون بالله تعالى تأكيداً لصحة جوابهم فيقال لهم٣: ﴿فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون﴾ لا ظلماً منا ولكن بسبب كفركم إذ الكفر منع من طاعة الله ورسوله، والنفس لا تطهر إلا على تلك الطاعة، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٣٠) أما الآية الثانية (٣١) فقد أعلن تعالى عن خسارة صفقة الكافرين الذين باعوا الإيمان بالكفر والتوحيد بالشرك، والطاعة بالمعاصي فقال تعالى: ﴿قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله٤﴾ أي بالحياة بعد الموت وهذا هو سبب المحنة والكارثة ﴿حتى إذا جاءتهم الساعة﴾ ساعة فناء هذه الحياة وإقبال الحياة الآخرة ﴿بغتة﴾ أي فجأة لم يكونوا يفكرون فيها لكفرهم بها، وعندئذ صاحوا بأعلى أصواتههم معلنين عن تندمهم ﴿يا حسرتنا٥ على ما فرطنا﴾ أي في صفقتنا حيث اشترينا الكفر بالإيمان والشرك بالتوحيد قال تعالى: ﴿وهم يحملون أوزارهم﴾ من الجائز أن تصور لهم أعمالهم من الكفر والشرك والظلم والشر والفساد في صورة رجل قبيح أشوه فيحملونه على ظهورهم في عرصات القيامة وقد ورد به خبر. ولذا قال تعالى: ﴿ألا ساء ما يزرون﴾ أي قبح ما يحملونه! وفي الآية (٣٢) الأخيرة يخبر تعالى مذكراً واعظاً ناصحاً فيقول يا عباد الله: ﴿وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو﴾ فانتبهوا فلا تغتروا بما فيها من ملذات فإن نعيمها إلى زوال ما شأنها إلا شأن من يلعب أو يلهو، ثم لا يحصل على طائل من لعبة٦ ولهوه، أما الدار الآخرة فإنها خير ولكن للذين يتقون الشرك والشر
٢ الاستفهام للتقريع والتوبيخ أي: أليس هذا البعث كائنا موجوداً.
٣ جائز أن يكون القائل: الله تعالى، وجائز أن تكون الملائكة وهو أولى لأنهم ليسوا أهلا لأن يكلّمهم الربّ تبارك وتعالى.
٤ أي بالبعث بعد الموت والجزاء على العمل في الدنيا هذا كقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله وهو عليه غضبان" في الصحيح، إلاّ أنه لا مانع من حمل اللفظ على ظاهره لأنّ لقاء الله كائن حقاً وكيف وهو الذي يفصل بينهم في ساحة فصل القضاء.
٥ أي: يا حسرتنا احضري فهذا أوان حضورك، والحسرة: الندم الشديد، والتلهف والنداء للتندّم والتعجب من حالهم وما حلّ بهم.
٦ هي كما قال الحكيم:
ألا إنّما الدنيا كأحلام نائم | وما خير عيش لا يكون بدائم |
فأفنيتها هل أنت إلا كحالم