هذا أولاً وثانياً فقد كذبت رسل من قبلك وأوذوا كما كُذبت أنت وأوذيت، وصبروا حتى أتاهم نصرنا فاصبر أنت حتى يأتيك النصر فإنه لا مبدل لكلمات الله التي تحمل وعده لأوليائه ووعيده لأعدائه، ولقد جاءك في هذا الكتاب الذي أوحينا إليك من نبأ المرسلين وأخبارهم ما يكون عوناً لك على الصبر حتى النصر فاصبر، وثالثاً ﴿إن كان كبر١ عليك إعراضهم﴾ عن دعوتك وعدم إيمانهم بها حتى تأتيهم بآية تلجئهم إلى الإيمان بك وبرسالتك كما يطلبون منك ويُلِحُّون عليك وهم كاذبون فإن استطعت أن تطلب لهم آية من تحت الأرض أو من السماء فافعل، وهذا ما لا تطيقه ولا تستطيعه لأنه فوق طاقتك فلا تكلف به وإذا فما عليك إلا بالصبر هذا معنى قوله تعالى: ﴿وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض﴾ أي٢ سرباً، ﴿أو سلماً في السماء﴾ أي مصعداً ﴿فتأتيهم بآية﴾ أي فافعل، وما أنت بقادر فاصبر إذا ورابعاً إن الله قادر على أن يجمعهم كلهم على الإيمان بك وبرسالتك والدخول في دينك، ولكنه لم يشأ ذلك لحكم عالية فلا تطلب أنت مالا يريده ربك، فإنك إن فعلت كنت من الجاهلين٣، ولا نريد لك ذلك٤.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- ثبوت بشرية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولذا هو يحزن لفوت محبوب كما يحزن البشر لذلك.
٢- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحمله على الصبر حتى يأتيه موعود ربه بالنصر.
٣- بيان سنة الله في الأمم السابقة.
٤- إرشاد الرب تعالى رسوله إلى خير المقامات وأكمل الحالات بإبعاده عن ساحة الجاهلين.
إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦) وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ
٢ أي نفقاً كالأنفاق المعروفة اليوم تحت الأرض، والسلّم: الدرج وهو ما يرقى عليه وسمي السلم من السلامة.
٣ ولا يليق بمثلك مثله وهذا كلّه تسلية للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعزية وحمل له على الصبر وهو لكلّ داعٍ إلى الله تعالى يواجه التكذيب والتعذيب إلى يوم الدين.
٤ جائز أن يكون المعنى: من الجهل الذي هو ضد العلم، والجهل الذي هو ضد الحلم ويناسب الأوّل قوله ﴿ولو شاء الله لجمعهم على الهدى﴾ والثاني قوله: ﴿وإن كان كبر عليك إعراضهم..﴾ الآية.