السلام: فقال: ﴿قالوا يا نوح قد جادلتنا١﴾ أي خاصمتنا وأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين أي فعجل العذاب وأنزله علينا إن كنت من الصادقين فيما تقول وتدعو وتعد. فأخبر تعالى عن قول نوح لهم ردا على مقالتهم وهو ما علمه ربه تعالى أن يقوله: فقال ﴿قل إنما يأتيكم به الله﴾ أي بالعذاب الله إن شاء ذلك. ﴿وما أنتم بمعجزين﴾ أي فائتين الله ولا هاربين منه. وقوله: ﴿ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ٢ هو ربكم واليه ترجعون﴾. أي إن نصحي لا شفعكم بمعنى أنكم لا تقبلونه مهما أردت ذلك وبالغت فيه إن كان الله جل جلاله يريد أن يغويكم لما فرط منكم وما أنتم عليه من عناد وكفر ومجاحدة ومكابرة إذ مثل هؤلاء لا يستحقون هداية الله تعالى بل الأولى بهم الضلالة حتى٣ يهلكوا ضالين فيشقوا في الدار الآخرة. وقوله تعالى: ﴿هو ربكم وإليه ترجعون﴾ أي فالأمر له ألستم عبيده وهو ربكم إن يشأ يرحمكم وإن يشأ يعذبكم وإن كانت حكمته تنفي أن يعذب الصالحين ويرحم الغواة الظالمين.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- مشروعية الجدال لإحقاق الحق وإبطال الباطل بشرط الأسلوب الحسن.
٢- إرادة الله تعالى قبل كل إرادة وما شاءه الله يكون وما لم يشأه لم يكن.
٣- لا ينفع نصح الناصحين ما لم يرد الله الخير للمنصوح له.
٤- ينبغي عدم إصدار حكم على عبد لم يمت فيعرف بالموت مآله. إلاَّ قول الله أعلم به.
أَمْ يَقُولُونَ٤ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ (٣٥)
٢ فيه الرد على بطلان مذهب المعتزلة، والقدرية إذ زعموا أن الله لا يريد أن يعصي العاصي ولا أن يكفر الكافر ولا أن يغوي الغاوي وتجاهلوا أنه لا يقع في ملك الله إلا ما يريد، ولا يقع شيء إلاّ بإذنه فهو الهادي لمن شاء هدايته، والمضل لمن شاء إضلاله، ولكن كُلاَّ من هدايته وإضلاله يتمان حسب سنته في الهداية والإضلال فلم يظلم ربّك أحداً.
٣ ومن فسّر ﴿أن يغويكم﴾ : يهلككم: أراد أنّ الهلاك سبب للإغواء، فمن أغواه أهلكه، إذ لا يُهلك إلاَّ الغاوي.
٤ شرح هذه الآية في (ص ٥٤٥) وأخرت على أنها معترضة لقصة نوح عليه السلام.