بهم وبآلهتهم، فقال ﴿فكيدوني١ جميعا﴾ أي احتالوا على ضري ثم لا تنظرون أي لا تؤخرون ولا تمهلون، ثم كشف لهم عن مصدر قوته وهو توكله على ربّه فقال ﴿إني توكلت على الله ربي وربكم﴾ أي فوضت أمري إليه وجعلت كل ثقتي فيه فهو لا يسلمني إليكم ولا يخذلني بينكم. ثم أعلمهم بإحاطة قدرة الله بهم وقهره لهم فقال ﴿وما من٢ دابّة إلا هو آخذ بناصيتها٣﴾ أي قاهر لها متحكم فيها يقودها حيث شاء وينزل بها من العذاب ما يشاء، ثم أعلمهم أن ربّه تعالى على طريق العدل والحق فلا يُسلط أعداءه على أوليائه، فقال ﴿إن ربّي على صراط مستقيم﴾ فلذا أنا لست بخائف ولا وجل ثم قال لهم ﴿فإن تولوا﴾ أي فإن تدبروا عن الحق وتعرضوا عنه فغير ضائري ذلك إذ أبلغتكم ما أرسلني به ربي إليكم وسيهلككم ويستخلف قوماً غيركم٤، ولا تضروه شيئاً من الضرر لا قليلاً ولا كثيراً، ﴿إن ربّي على كل شيء حفيظ﴾ أي رقيب، وسيجزي كلا بما كسب بعدله ورحمته. وله الحمد والمنة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان مدى مجاحدة ومكابرة المشركين في كل زمان ومكان.
٢- تشابه الفكر الشركي وأحوال المشركين إذ قول قوم هود ﴿إن نقول إلا اعتراك﴾.. الخ. يردده جهلة المسلمين وهو فلان ضربه الولي الفلاني.
٣- مواقف أهل الإيمان واحدة فما قال نوح لقومه متحدياً لهم قاله هود لقومه.
٤- تقرير مبدأ أن كل شيء في الكون خاضع لتدبير الله لا يخرج عما أراده له أو به.
وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ

١ في قوله: ﴿فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون﴾ علم من أعلام النبوة إذ لا يقدر فرد أن يقول لأمّة بكاملها: افعلي بي من الشر والأذى ما تستطيعين إلاّ أن يكون نبياً عالما بقدرة الله تعالى على حفظه وحمايته، وقد وقف هذا الموقف نوح من قبل ووقفه محمد بعد صلى الله عليهم أجمعين وسلم تسليماً.
٢ كل ما فيه روح يقال له دابّ، والتاء فيه: للمبالغة، فيقال. دابة بالغة في الدبيب.
٣ الناصية: ما انسدل من شعر الرأس على الجبهة، والأخذ: الإمساك، وهذا كناية عن التمكن والقدرة الكاملة على التصرف في المخلوقات.
٤ أي: يخلق من هم أطوع لله تعالى منكم فيعبدونه ويوحدّونه.


الصفحة التالية
Icon