وبغض أهله والداعين إليه فهؤلاء هم الذين يستجيبون لأنهم أحياء أما الأموات فإنهم لا يسمعون ولذا فهم لا يستجيبون ولكن سيبعثهم الله يوم القيامة أحياء ثم يرجع الجميع إليه من استجاب، لحياة قلبه، ومن لم يستجب لموت قلبه ويجزيهم بما عملوا الجزاء الأوفى وهو على كل شيء قدير، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٣٦) أما الآية الثانية (٣٧) فقد أخبر تعالى رسوله بقولهم ﴿لولا نزل عليه آية﴾، وعلمه أن يقول لهم ﴿إن الله قادر على أن ينزل آية﴾ وهي الخارقة كإحياء الموتى أو تسيير الجبال أو إنزال الملائكة يشاهدونهم عياناً، ولكن لم ينزلها لحكم عالية وتدبير حكيم، ﴿ولكن أكثرهم لا يعلمون﴾ الحكمة في١ ذلك، ولو علموا أنها إذا نزلت كانت نهاية حياتهم لما سألوها. هذا ما تضمنته الآية الثانية أما الآية الثالثة (٣٨) وهي قوله تعالى: ﴿وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير٢ بجناحيه إلا أمم أمثالكم﴾ سيقت هذه الآية لبيان كمال الله تعالى وشمول علمه وعظيم قدرته، وسعة تدبيره تدليلاً على أنه تعالى قادر على إنزال الآيات، ولكن منع ذلك حكمته تعالى في تدبير خلقه فما من دابة تدب في الأرض ولا طائر يطير في السماء إلا أمم مثل الأمة٣ الإنسانية مفتقرة إلى الله تعالى في خلقها ورزقها وتدبير حياتها، والله وحده القائم عليها، وفوق ذلك إحصاء عملها عليها ثم بعثها يوم القيامة ومحاسبتها ومجازاتها، وكل ذلك حواه كتاب المقادير وهو يقع في كل ساعة ولا يخرج شيء عما كتب في كتاب المقادير، اللوح المحفوظ ﴿ما فرطنا في الكتاب من شيء﴾ فهل يعقل مع هذا أن يعجز الله تعالى عن إنزال آية، وكل مخلوقاته دالة على قدرته وعلمه ووحدانيته، ووجوب عبادته وفق مرضاته، وقوله ﴿ثم إلى ربهم يحشرون﴾ ٤ كل دابة وكل طائر يموت أحب أم كره، ويبعث٥ أحب أم كره، والله وحده مميته ومحييه ومحاسبه ومجازيه، ﴿ثم إلى ربهم يحشرون﴾، ومن هنا كان المكذبون بآيات الله ﴿صم وبكم

١ قال القرطبي: القول بحشر البهائم هو الصحيح، والبهائم وإن كان القلم لا يجري عليها في الأحكام ولكن فيما بينها تؤاخذ به، وروي عن أبي ذرّ قال، انتطحت شاتان عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "يا أبا ذر أتدري فيما انتطحتا. قلت: لا، قال: لكن الله تعالى يدري وسيفضي بينهم".
٢ من الحكمة في عدم إنزال الآية أنه لو أنزلها ما آمنوا بها، فاستوجبوا الهلاك فأهلكهم، ولكنّه يريد الإبقاء عليهم ليخرج من أصلابهم مؤمنين يعبدونه ويوحدونه.
٣ ذكر الجناحين للتأكيد من جهة، وإزالة الإبهام من جهة أخرى لأن العرب تطلق لفظ الطيران على غير الطائر فتقول للرجل، طر في حاجتي أي أسرع في قضائها وطائر الإنسان ما قسم الله له أزلاً قال تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه﴾.
٤ وهذه المثلية بين الإنسان وبين دواب الأرض وطائر السماء تقتضي ألا يظلم الإنسان الحيوان ولا يؤذيه ولا يتجاوز ما أمر به نحوه، ووجه المثلية في كون كل من الإنسان والحيوان يسبح الله تعالى ويدل على قدرته وعلمه وحكمته.
٥ قيل في ﴿يحشرون﴾ أنّ حشرها الموت وهو مروي عن ابن عباس قال: موت البهائم: حشرها وروي عن مجاهد والضحاك أيضاً، وقيل حشرها: هو بعثها يوم القيامة حيّة وهذا أصح لحديث: "إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة".


الصفحة التالية
Icon