فتاها} ١ أي عبدها ﴿عن نفسه قد شغفها حبا﴾ أي قد بلغ حبها إياه شغاف قلبها أي غشاءه٢. ﴿إنا لنراها﴾ أي نظنها ﴿في ضلال مبين﴾ أي خطأ واضح: إذ كيف تحب عبداً وهي من هي في شرفها وعلّو مكانتها. قوله تعالى ﴿فلما سمعت بمكرهن﴾ ٣ أي ما تحدثن به في غيبتها ﴿أرسلت إليهن٤ وأعتدت لهن٥ متكئا وآتت كل واحدة منهن سكينا﴾ أي فقابلت مكرهن بمكر أعظم منه فأعدت لهن حفلة طعام وشراب فلما أخذن في الأكل يقطعن بالسكاكين الفواكه كالأترج وغيره أمرته أن يخرج عليهن ليرينه فيعجبن برؤيته فيذهلن عن أنفسهن ويقطعن٦ أيديهن بدل الفاكهة التي يقطعنها للأكل وبذلك تكون قد دفعت عن نفسها المعرة والملامة، وهذا ما جاء في قوله تعالى ﴿وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاشا لله٧ ما هذا بشرا﴾ أي إنسان من الناس. ﴿إن هذا إلا ملك﴾ أي ما هذا إلا ملك ﴿كريم﴾ وذلك لجماله وما وهبه الله تعالى من حسن وجمال في خلقه وخلقه. وهنا قالت ما أخبر تعالى به في قوله ﴿قالت فذلكن الذي لمتنني فيه﴾ أي هذا هو الفتى الجميل الذي لمتنني في حبه ومراودته عن نفسه ﴿ولقد راودته عن نفسه فاستعصم﴾ أي راودته فعلا وامتنع عن إجابتي. ﴿ولئن لم يفعل ما آمره﴾ أي به مما أريده منه ﴿ليسجنن وليكونا من الصاغرين﴾ أي الذليلين المهانين. وهكذا اسمعته تهديدها أمام النسوة المعجبات به. ومن هنا فزع يوسف إلى ربّه ليخلصه من مكر هذه المرأة وكيدها فقال ما أخبر تعالى به عنه ﴿قال ربّ السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه﴾ أي يا رب فلذا عد كلامه هذا سؤالاً لربه ودعاء السجن أحب إلي مما يدعونني إليه من الإثم، ﴿وألاّ تصرف عني كيدهن﴾ أي كيد النسوة ﴿أصب إليهن﴾ أي أَملْ إليهن ﴿وأكن﴾ أي بفعل ذلك ﴿من الجاهلين﴾ أي الآثمين بارتكاب معصيتك.

١ ﴿فتاها﴾ نسب إليها وهو لزوجها باعتبار أنه يخدمها بملك زوجها له فصحّ نسبته إليها، وقيل: إن زوجها وهبه إيّاها كما وهبت سارة هاجر لإبراهيم عليه السلام.
٢ شغاف القلب: غلافه، وهو: جلدة عليه، وقرىء: شعفها بالعين المهملة أي: أحرق حبّه قلبها، يقال: شعفه الحب: إذا أحرق قلبه.
٣ وجه مكرهن: أنهن لما سمعن بجمال يوسف وحسنه، رغبن في النظر إليه فاحتلن لذلك بالحديث عن زليخا وانتقادها في حبها لخادمها.
٤ في الكلام حذف تقديره: فأرسلت إليهن تدعوهنّ إلى وليمة لتوقعن فيما وقعت فيه. أعتدت: هذا من العتاد وهو ما جعل عدّة لشيء ومنه العتاد الحربي وهو ما أعدّ للحرب من أنواع السلاح.
٥ أصل: ﴿متكأ﴾ موتكأ، حذفت منه الواو كمتزن من وزنت، ومتعدّ من وعدت وقرىء: متكاً غير مهموز وهو الأترج وأمّا مهموزاً فهو: كل ما اتكىء عليه عند الجلوس.
٦ قال مجاهد: ليس قطعاً تبينُ به اليد، وإنما خدش وحزر وهو معروف في كلام العرب، يقال قطع يده إذا جرحها.
٧ قرىء: ﴿حاش لله﴾ و ﴿حاشا لله﴾، وفيه أربع لغات، ويقال: حاشا زيداً وحاشاً زيداً، ومعناه هنا: معاذ الله.


الصفحة التالية
Icon