ملك مصر رؤيا أهالته وطلب من رجال دولته تعبيرها، وهو ما أخبر تعالى به في هذه الآيات إذ قال عز وجل: ﴿وقال الملك﴾ أي ملك البلاد ﴿إني أرى﴾ أي في منامي ﴿سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات عجاف١﴾ أي مهازيل في غاية الهزال ﴿وسبع سنبلات خضر وأخر﴾ أي سنبلات يابسات. ثم واجه رجال العلم والدولة حوله وقد جمعهم لذلك فقال ﴿يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون﴾ أي تؤولون. فأجابوه بما أخبر تعالى عنهم بقوله ﴿قالوا أضغاث أحلام٢﴾ أي رؤياك هذه هي من أضغاث الأحلام التي لا تعبر، إذ قالوا ﴿وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين﴾ والمراد من الأضغاث الأخلاط وفي الحديث الصحيح "الرؤيا من الرحمن والحلم من الشيطان". وقوله تعالى ﴿وقال الذي نجا منهما﴾ أي من صاحبي السجن، ﴿وادّكر بعد امة٣﴾ أي وتذكر ما أوصاه به يوسف وهو يودعه عند باب السجن إذ قال له ﴿اذكرني عند ربك﴾ بعد حين من الزمن قرابة سبع سنوات. قال ما أخبر تعالى به عنه ﴿أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون﴾ أي إلى يوسف في السجن فإنه أحسن من يعبر الرؤى فأرسلوه فدخل عليه وقال ما أخبر به تعالى عنه في قوله ﴿يوسف﴾ أي يا يوسف ﴿أيها الصديق افتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات﴾ وقوله ﴿لعلي أرجع إلى الناس﴾ أي الملك ورجاله ﴿لعلهم يعلمون﴾ أي ما تعبرها به أنت فينتفعون بذلك.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- جواز الرؤيا الصالحة يراها الكافر والفاسق.
٢- الرؤى نوعان حلم من الشيطان، ورؤيا من الرحمن.
٣- النسيان من صفات البشر.
٤- جواز وصف الإنسان بما فيه من غير إطراء كقوله أيها الصديق.
٥- لعل تكون بمعنى كي التعليلية.
٢ الأضغاث: جمع ضغث والضّغث في اللغة: الحزمة من الشيء كالبقل والكلأ، والأحلام: الرؤيا المختلطة، ومالا تأويل له من الرؤى.
٣ قرىء: ﴿وادَّكَر بعد أمةٍ﴾ بفتح الهمزة وتخفيف الميم أي: بعد نسيان يقال: أمِهَ أَمْهَاً إذا نُسي، قال الشاعر:
أمهت وكنت لا أنسى حديثاً
كذاك الدهر يودي بالعقول
﴿وادكر﴾ أصلها: واذدكر، فأبدلت التاء دالا، ثم أدغمت الذال في الدال فصارت: وادكر، وذلك لمناسبتين الأولى: لقرب مخرج التاء من الذال والثانية: رخاوة الدال ولينها فحصل الإدغام لذلك.