وهنا قالت امرأة العزيز زليخا ما اخبر تعالى به عنها ﴿الآن حصحص الحق١﴾ أي وضح وبان وظهر ﴿أنا راودته عن نفسه﴾ وليس هو الذي راودني، ﴿وإنه لمن الصادقين﴾ وقوله تعالى ﴿ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب﴾ هذا إخبار عن يوسف عليه السلام فإنه قال ذلك أي امتناعي من الخروج من السجن وعدم إجابتي الملك وطلبي إليه أن يسأل عن حال النسوة حتى تم الذي تم من براءتي على لسان النسوة عامة، وامرأة العزيز خاصة حيث اعترفت قطعياً ببراءتي وقررت أنها هي التي راودتني عن نفسي فأبيت ورفضت فعلت هذا ليعلم زوجها العزيز أني لم أخنه في أهله في غيبته وأن عرضه مصان وشرفه لم يدنس لأنه ربي أحسن مثواي. وإن الله لا يهدى كيد الخائنين فلو كنت خائنا ما هداني لمثل هذا الموقف المشرف والذي أصبحت به مبرأ الساحة سليم العرض طاهر الثوب والساحة.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- فضل العلم وشرفه إذ به رفع الملك يوسف إلى حضرته وهو رفيع.
٢- فضيلة الحلم والأناة وعدم التسرع في الأمور.
٣- فضيلة الصدق وقول الحق ولو كان على النفس.
٤- شرف زليخا٢ بإقرارها بذنبها رفعها مقاما ساميا وأنزلها درجة عالية فقد تصبح بعد قليل زوجة لصفي الله يوسف الصديق بن الصديق زوجة له في الدنيا وزوجة له في الآخرة وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

١ ﴿حصحص﴾ أي: تبيّن وظهر، وأصله: حصص فقيل: حصحص، نحو: كفكف في كفف، وأصل الحصّ: استئصال الشيء من حص الشعر: إذا استأصله جزاً، قال الشعر:
قد حصّت البيضة رأسي فما
أطعم نوماً غير تهجاع
أي: النوم الخفيف، ومنه الحصّة: القطعة من الشيء، فالمعنى إذاً بانت حصة الحق من حصة الباطل.
٢ ذهبت في التفسير مذهب إمام المفسرين ابن جرير رحمه الله تعالى وكثير من علماء السلف إلى أنّ القائل: ﴿ذلك ليعلم إني لم أخنه بالغيب إلى قوله غفور رحيم﴾ هو يوسف عليه السلام: أي: إنه لما جاء الرسول يدعوه إلى حضرة الملك أبى أن يجيب الدعوة حتى يحقق الملك في قضيته التي سجن فيها ثمّ بعد ذلك يخرج. ودعا الملك النسوة وحقق معهن وبرأن يوسف بقولهن: ما علمنا عليه من سوء، وقول امرأة العزيز أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين كأن سائلا قال ليوسف: لم لَم تجب الداعي؟ فأجاب: ذلك أي: فعلت ذلك ليعلم أي: العزيز: أني لم أخنه بالغيب، ثم قال تواضعاً: وما أبرىء نفسي إذ هم بضرب زليخا لما ألحت عليه وأرادت ضربه.
وذهبت إلى هذا مرجحاً له لأمرين الأول: ترجيح إمام المفسرين له والثاني: أنَّى لتلك المرأة المشركة أن ترقى إلى هذا المستوى فتقول: وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم. إنّ هذا الكلام لا يجري إلا على لسان الأنبياء والصالحين.
ومع هدا فمن رجّح أن يكون القول قول زليخا كابن القيم رحمه الله تعالى فلا بأس، ويجب على الجميع أن يقول الله أعلم.
إذ قولنا مجرد ارتئاء رأيناه والعلم الحق لله وحده لا شريك له.


الصفحة التالية
Icon