يستوي الأعمى١ والبصير؟} والجواب لا، فكذلك لا يستوي المؤمن والكافر، والمهدي والضال ﴿أفلا تتفكرون﴾ أي مالكم لا تتفكرون فتهتدوا للحق وتعرفوا سبيل النجاة. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٥٠) أما الآية الثانية (٥١) فإن الله تعالى يأمر رسوله أن ينذر بالقرآن المؤمنين العاصين فقال ﴿وأنذر٢ به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم﴾ يوم القيامة وهم مذنبون، وليس لهم من دون الله ولي ولا شفيع٣ فهؤلاء ينفعهم إنذارك بالقرآن أما الكفرة المكذبون فهم كالأموات لا يستجيبون وهذا كقوله تعالى من سورة ق ﴿فذكر بالقرآن من يخاف وعيد﴾ فهؤلاء إن أنذرتهم يرجى لهم أن يتقوا معاصي الله ومعاصيك أيها الرسول وهو معنى قوله تعالى: ﴿لعلهم يتقون﴾. هذا ما تضمنته الآية الثانية (٥١) أما الآية الثالثة (٥٢) وهي قوله تعالى ﴿ولا تطرد٤ للذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، يريدون وجهه﴾ فإن بعض المشركين في مكة اقترحوا على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبعد من مجلسه فقراء المؤمنين كبلال وعمار وصهيب حتى يجلسوا إليه ويسمعوا عنه فهمَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يفعل رجاء هداية أولئك المشركين فنهاه الله تعالى عن ذلك بقوله ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي﴾ في صلاة الصبح، وصلاة العصر، يريدون وجه الله ليرضى عنهم ويقربهم ويجعلهم من أهل ولايته وكرامته، ومبالغة في الزجر عن هذا الهم قال تعالى: ﴿ما عليك من حسابهم من شيء﴾ أي ما أنت بمسؤول عن خطاياهم إن كانت لهم خطايا، ولا هم بمسئولين عنك فلم تطردهم إذاً؟ ﴿فتطردهم٥ فتكون من الظالمين﴾ أي فلا تفعل، ولم يفعل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصبر عليهم وحبس نفسه معهم وفي الآية الأخيرة (٥٣) يقول تعالى: ﴿وكذلك فتنا بعضهم ببعض﴾ ٦

١ في هذا الخطاب الاستفهامي إيماء إلى المفارقة التامة الحاصلة من المؤمنين والكافرين، وأن الكافرين عمي والمؤمنين بصراء، والمؤمنون مهتدون، والكافرون ضالّون، فما لهم لا يتفكرون لعلهم يخرجون من ظلمة كفرهم.
٢ وأنذر به أي: بالقرآن وقيل بيوم القيامة، وكونه القرآن أولى وأصح لقوله تعالى: ﴿فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد﴾.
٣ في الآية دليل على إبطال شفاعة الأصنام لعابديها، والأولياء للمشركين ممن يذبحون لهم وينذرون كما فيها إبطال لزعم أهل الكتاب القائلين نحن أبناء الله وأحباؤه فسوف يشفع لنا الأب، إذ شرط صحة الشفاعة يوم القيامة أن يأذن الله لمن يشفع وأن يرضى بنجاة المشفوع له.
٤ روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستة نفر فقال المشركون للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطرد هؤلاء عنك لا يجترئون علينا وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما فوقع في نفس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما شاء الله أن يقع فحدّث نفسه فأنزل الله عز وجل: ﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم... ﴾ الآية.
٥ في الآية دليل على عدم جواز تعظيم الرجل لجاهه وثوبه وعدم احتقار الرجل لخموله ورثاثة ثوبه.
٦ الفتنة: الاختبار أي: عاملناهم معاملة المختبر لهم فأغنينا بعضا وأفقرنا بعضا واللاّم في قوله تعالى: ﴿ليقولوا﴾ هي لام العاقبة أي: ليقول أغنياء وأشراف المشركين مشيرين إلى فقراء المؤمنين: أهؤلاء من الله عليهم بأن وفقهم لإصابة الحق دوننا، ونحن الرؤساء وهم العبيد.


الصفحة التالية
Icon