معنى الآيات:
لما ذكر تعالى في نهاية الآية السابقة أنه أعلم بالظالمين المستحقين للعقوبة أخبر عز وجل أن الأمر كما قال ودليل ذلك أنه عالم الغيب والشهادة، إذ ﴿عنده مفاتح الغيب١﴾ أي خزائن الغيب وهو الغيب الذي استأثر بعلمه فلا يعلمه سواه٢ ويعلم ما في البر والبحر وهذا من عالم الشهادة، إضافة إلى ذلك أن كل شيء كان أو يكون من أحداث العالم قد حواه كتاب له اسمه اللوح المحفوظ، وهو ما دل عليه قوله: ﴿وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب٣ ولا يابس إلا في كتاب مبين﴾ وما كتبه قبل وجوده فقد علمه إذاً فهو عالم الغيب والشهادة إضافة إلى ذلك أن كل شيء كان أو يكون من أحداث العالم قد حواه كتاب له اسمه اللوح المحفوظ، وهو ما دل عليه قوله: ﴿وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين﴾ وما كتبه قبل وجوده فقد علمه إذاً فهو عالم الغيب والشهادة أحصى كل شيء عدداً وأحاط بكل شيء علماً، فكيف إذاً لا يعبد ولا يرغب فيه ولا يرهب منه وأين هو في كماله وجلاله من أولئك الأموات من أصنام وأوثان. ؟؟ هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٥٩) وأما الآية الثانية (٦٥) فقد قررت ما دلت عليه الآية قبلها من قدرة الله وعلمه وحكمته فقال تعالى مخبراً عن نفسه ﴿وهو الذي يتوفاكم٤ بالليل﴾ حال نومكم إذ روح النائم تقبض ما دام نائماً ثم ترسل إليه عند إرادة الله بعثه من نومه أي يقظته، وقوله ﴿ثم يبعثكم فيه﴾ أي في النهار المقابل لليل، وعلة هذا أن يقضى ويتم الأجل الذي حدده تعالى للإنسان يعيشه وهو مدة عمره طالت أو قصرت، وهو معنى قوله ﴿ثم يبعثكم فيه ليُقضى أجل مسمى﴾ وقوله تعالى ﴿ثم إليه مرجعكم﴾ لا محالة وذلك بعد نهاية الأجل، ﴿ثم ينبئكم﴾ بعلمه ﴿بما كنتم تعملون﴾ من خير وشر ويجازيكم بذلك وهو خير الفاصلين. وفي الآية الثالثة يخبر تعالى عن نفسه أيضاً تقريراً لعظيم سلطانه الموجب له بالعبادة والرغبة والرهبة إذ قال مخبراً عن نفسه ﴿وهو القاهر فوق عباده﴾، ذو القهر التام

١ روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلاّ الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله" ولذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أتى عرّافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" والعرّاف الحازي والمنجم الذي يدعي علم الغيب، والمهنة: العرافة، وصاحبها عَرّاف. وفي مسلم عن عائشة أنها قالت سأل رسول الله أناس عن الكهانة فقال: "ليست بشيء. فقالوا يا رسول الله انهم يحدّثون أحياناً بشيء فيكون حقا فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الكلمة الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليّه قرّ الدجاجة فيخلطون معها مائة كذبة".
٢ روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: من زعم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول: ﴿قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله﴾.
٣ يطلق لفظ الرطب على الماء وما ينبت والحيّ، ولسان المؤمن، واليابس على ضد ذلك كالياس والتراب ومالا ينبت، ولسان الكافر لأنّه لا يذكر الله تعالى.
٤ التوفي: استيفاء الشيء، وتوفي الميت: استوفى عدد أيام عمره، والنائم كأنه استوفى حركاته في اليقظة، والوفاة: الموت، واستوفى دينه: أخذه كاملاً.


الصفحة التالية
Icon