ركب البحر فغشيته ظلمة السحاب والليل والبحر واضطربت نفسه من الخوف يدعو من؟ إنه يدعو الله وحده لعلمه أنه لا ينجيه إلا هو يدعوه ويتضرع إليه جهراً وسراً قائلاً وعزتك لئن أنجيتنا من هذه الهلكة التي حاقت بنا لنكونن من الشاكرين لك. ثم إذا نجاكم استجابة لدعائكم وأمنتم المخاوف عدتم فجأة إلى الشرك به بدعاء غيره. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٦٣) ﴿قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية، لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين﴾، وفي الآية الثانية (٦٤) يأمر الله تعالى رسوله أن يقول لهم جواباً لقوله من ينجيكم: ﴿الله ينجيكم منها١﴾ أي من تلك الحالة التي اضطربت لها نفوسكم وخشيتم فيها الهلاك وينجيكم أيضاً من كل كرب٢، ثم مع هذا يا للعجب أنتم تشركون٣ به تعالى أصنامكم. قل لهم يا رسولنا أن الله الذي ينجيكم من كل كرب هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من السماء فوقكم٤، أو من الأرض تحتكم، أو يخلط عليكم أمركم فتتنازعوا فتختلفوا فتصبحوا شيعاً وطوائف وفرقاً متعادية يقتل بعضكم بعضاً، فيذيق بعضكم بأس بعض، ثم قال الله تعالى لرسوله انظر يا رسولنا كيف نفصل الآيات بتنويع الكلام وتوضيح معانيه رجاء أن يفقهوا معنى ما نقول لهم فيهتدوا إلى الحق فيؤمنوا بالله وحده ويؤمنوا بلقائه وبرسوله وما جاء به فيكملوا ويسعدوا وفي الآية (٦٥) يخبر تعالى بواقع القوم: أنهم كذبوا بهذا القرآن وما أخبرهم به من الوعيد الشديد وهو الحق الذي ليس بباطل ولا يأتيه الباطل، ويأمر رسوله أن يقول لهم بعد تكذيبهم له ﴿لست عليكم بوكيل﴾ فأخاف من تبعة عدم إيمانكم وتوحيدكم ﴿لكل نبأ مستقر٥﴾ وقد أنبأتكم بالعذاب على تكذيبكم وشرككم ﴿وسوف تعلمون﴾ ذلك يوم يحل بكم وقد استقر نبأه يوم بدر والحمد لله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- لا برهان أعظم على بطلان الشرك من أن المشركين يخلصون الدعاء لله تعالى في الشدة.
٢ الكرب: الغمّ يأخذ النفس ويقال فيه: رجل مكروب، والكربة مأخوذة منه.
٣ هذه الجملة تحمل لهم التقريع والتوبيخ أي: ومع هذا الإنجاء الذي يحصل لكم من ربكم إذا أنتم مشركون يا للوقاحة والدناءة، وإلاّ فهم مشركون من قبل.
٤ من فوقكم كالحجارة، والطوفان والصواعق ومن تحتكم كالخسف والرجفة.
٥ ﴿لكل نبأ﴾ أي: خبر مستقر أي وقت يقع فيه مضمونه فلا يتقدّم ولا يتأخر.