يحلف على الشيء يظنه كذا فيظهر على خلاف ما ظن، ﴿ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان﴾ أي قصدتموها عازمين١ عليها، فمن حنث بعد الحلف فالواجب في حقه خروجاً من الإثم كفَّارة وهي ﴿إطعام عشرة مساكين﴾ لكل مسكين نصف صاع أي مدَّان٢ من أعدل ﴿ما تطعمون أهليكم﴾ ما هو بالأجود الغالي، ولا بالأردأ الرخيص، ﴿أو كسوتهم﴾ كقميص وعمامة، أو إزار ورداء، ﴿أو تحرير رقبة﴾ أي عتق رقبة مؤمنة ذكراً كان أو أنثى صغيرة أو كبيرة فهذه الثلاثة المؤمن مخيّر في التكفير بأيها شاء، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام مفرقة أو متتابعة كما شاء هذا معنى قوله تعالى ﴿فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام﴾، وقوله ﴿ذلك كفارة أيمانكم﴾ أي هذا الذي بين لكم هو ما تكفِّرون به ما علق بنفوسكم من إثم الحنث. وقوله ﴿واحفظوا أيمانكم٣﴾ أي لا تكثروا الحلف فتحنثوا فتأثموا فتجب عليكم الكفارة لذلك. وقوله تعالى: ﴿كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون﴾ معناه مثل هذا التبيين الذي بينه لكم في مسألة الحنث في اليمين والكفارة له يبين لكم آياته المتضمنة لشرائعه وأعلام دينه ليعدكم بذلك لشكره بطاعته بفعل ما يأمركم به وترك ما ينهاكم عنه، فله الحمد والمنة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- حرمة تحريم ما أباح الله، كحرمة تحليل ما حرم الله عز وجل.
٢- بيان مدى حرص الصحابة على طاعة الله خوفاً من عقابه وطمعاً في إنعامه.
٣- حرمة الغلو في الدين والتنطع فيه.
٤- بيان كفارة اليمين بالتفصيل.

١ هذا إذا لم يستثن بأن يقول إلاّ أن يشاء الله أمّا من استثنى فلا كفارة عليه إذ لا إثم مع الاستثناء ولابد للاستثناء من النطق يقول: إلاّ أن يشاء الله ولا يتم إلاّ بتحريك لسانه وشفتيه.
٢ وفي الآية وجه آخر ذكره القرطبي وهو أن يبادر إلى إخراج الكفارة إذا حنث وهذا حفظها من النسيان ظاهر.
٣ قال العلماء: الأيمان أربعة: يمينان يكفر فيهما إذا حنث ويمينان لا كفارة فيهما فالأوّلان أن يقول: والله لأفعلن كذا ثم يحنث والثاني أن يقول: والله لا أفعل كذا ويحنث، واللّذان لا كفارة فيهما: الأولى: لغو اليمين وهو أن يحلف على الشيء يظنه كذا فيظهر خلافه، والثانية: أن يجري على لسانه الحلف وهو غير قاصد نحو: لا والله، بلى والله، والخامسة: اليمين الغموس، وهو أن يحلف متعمّداً الكذب وكفّارتها التوبة لا غير وان كفّر مع التوبة فحسن.


الصفحة التالية
Icon