وتعذيباً لهم: ﴿أخرجوا١ أنفسكم٢، اليوم تجزون عذاب الهون﴾ بسبب استكباركم٣ في الأرض بغير الحق إذ الحامل للعذرة وأصله نطفة قذرة، ونهايته جيفة قذرة، استكباره في الأرض حقاً إنه استكبار باطل لا يصح من فاعله بحال من الأحوال. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٩٣) أما الآية الثانية (٩٤) فإن الله تعالى يخبر عن حال المشركين المستكبرين يوم القيامة حيث يقول لهم ﴿لقد جئتمونا فرادى٤﴾ أي واحد واحداً ﴿كما خلقناكم﴾ حفاة٥ عراة غُزْلاً ﴿وتركتم ما خولناكم﴾ أي ما وهبناكم من مال وولد ﴿وراء ظهوركم﴾ أي في دار٦ الدنيا، ﴿وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء، وأنتم كاذبون في زعمكم مبطلون في اعتقادكم {لقد نقطع بينكم﴾ أي انحل حبل الولاء بينكم، ﴿وضل عنكم ما كنتم تزعمون﴾ أي ما كنتم تكذبون به في الدنيا.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
١- قبح الكذب على الله تعالى في أي شكل، وأن صاحبه لا أظلم منه قط.
٢- تقرير عذاب القبر، وسكرات الموت وشدتها، وفي الحديث: أن للموت سكرات.
٣- قبح الاستكبار وعظم جرمه.
٤- تقرير عقيدة البعث الآخر والجزاء على الكسب في الدنيا.
٥- انعدام الشفعاء يوم القيامة إلا ما قضت السنة الصحيحة من شفاعة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والعلماء والشهداء بشروط هي: أن يأذن الله للشافع أن يشفع وأن يرضى عن المشفوع له.
إِنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ

١ الغمرة الشدة وأصلها من غمر الشيء إذا غطاه ومنه غمر الماء.
٢ يقال لهم هذا توبيخاً لهم وتقريعاً أي خلصوها من هذا العذاب إن أمكنكم.
٣ تستكبرون أي تتعظمون وتأنفون من قول الحق الذي هو توحيد الله تعالى وعبادته بما شرع لعباده المؤمنين.
٤ هذا يوم القيامة يوم يحشرون إلى ربهم، وفرادى في موضع نصب على الحال.
٥ روي أن عائشة رضي الله عنها قرأت قول الله تعالى ﴿ولقد جئتمونا فرادى... الخ﴾ فقالت يا رسول الله واسوأتاه الرجال والنساء يحشرون جميعاً ينظر بعضهم إلى سوءة بعض؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه لا ينظر الرجال إلى النساء ولا النساء إلى الرجال شُغل بعضهم عن بعض.
٦ ثبت في الصحيح أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأثنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس.


الصفحة التالية
Icon