معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم مع كفار قريش في تذكيرهم وتبصرهم بما هم فيه من الجهالة والضلالة. فيقول تعالى: ﴿قد مكر الذين من قبلهم﴾ أي من قبل مكر كفار قريش وذلك كالنمرود وفرعون وغيرهم من الجبابرة الذين تطاولوا على الله عز وجل ومكروا برسلهم، فالنمرود ألقى بإبراهيم في النار، وفرعون قال ذروني اقتل موسى وليدع ربه.. وقوله: ﴿فأتى الله بنيانهم من القواعد﴾ أي أتاه أمر الله بهدمه وإسقاطه على الظلمة الطغاة ﴿فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون١﴾. وذهب باطلهم وزال مكرهم. ألم يتعظ بهذا كفرة قريش وهم يمكرون بنبيهم ويبيَّتون له السوء بالقتل أو النفي أو الحبس؟ وقوله تعالى: ﴿ثم يوم القيامة يخزيهم﴾ أي يهينهم ويذلهم ويوبخهم بقوله: ﴿أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم٢﴾ أي أصنامكم وأوثانكم الذين كنتم تخالفوني بعبادتكم إياهم دوني كما تشاقون أوليائي المؤمنين أي تخالفونهم بذلك وتحاربونهم فيه. وهنا يقول الأشهاد والذين أوتوا العلم من الأنبياء والعلماء الربانيين: ﴿إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين﴾ أي إن الذل والهون والدون على الكافرين. وقوله تعالى: ﴿الذين تتوفاهم٣ الملائكة ظالمي أنفسهم﴾ بالشرك والمعاصي ومن جملة المعاصي ترك الهجرة والبقاء بين ظهراني الكافرين والفساق المجرمين حيث لا يتمكن المؤمن من عبادة الله تعالى بترك المعاصي والقيام بالعبادات. وقوله ﴿فألقوا السلم﴾ أي عند معاينتهم ملك الموت وأعوانه أي استسلموا وانقادوا وحاولوا الاعتذار بالكذب وقالوا ﴿ما كنا نعمل من سوء﴾ فترد عليهم الملائكة قائيلين: ﴿بلى﴾ أي كنتم تعملون السوء ﴿إن الله عليم بما كنتم تعملون﴾ ويقال لهم أيضاً ﴿فادخلوا أبواب جهنم﴾ أي أبواب طبقاتها ﴿خالدين فيها فلبئس﴾ جهنم ﴿مثوى﴾ أي مقاماً ومنزلاً ﴿للمتكبرين﴾ عن عبادة الله وحده. وقوله تعالى: ﴿وقيل للذين اتقوا﴾ أي ربهم فلم يشركوا به ولم يعصوه في أمره ولا نهيه وأطاعوا رسوله كذلك: ﴿ماذا أنزل ربكم﴾ أي إذا سألهم من أتى مكة يتعرف على ما بلغه من
٢ قرىء ﴿تشاقون﴾ بفتح النون وبكسرها على الإضافة، كما قرأ شركائي ابن كشر: شركاي بفتح الياء وبدون همزة.
٣ قيل: الآية نزلت في الذين تركوا الهجرة إلى المدينة وبقوا في مكة يزاولون أعمال الشرك خوفاً من المشركين، ومن بينهم الذين لمّا رأوا قلّة المؤمنين رجعوا إلى الشرك.