﴿السيئات﴾ من محاولة قتل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والشرك والتكذيب بالنبوة والبعث وظلم المؤمنين وتعذيب بعضهم، أفأمنوا ﴿أن يخسف الله بهم الأرض﴾ من تحتهم فيقرون في أعمالها، ﴿أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون١﴾ ولا يتوقعون من ريح عاصف تعصف بهم أو وباء يشملهم أو قحط يذهب بما لهم. وقوله تعالى: ﴿أو يأخذهم في تقلبهم﴾ أي في تجارتهم وأسفارهم ذاهبين آيبين من بلدٍ إلى بلد. ﴿فما هم بمعجزين﴾ ٢ له تعالى لو أراد أخذهم وإهلاكهم. وقوله تعالى: ﴿أو يأخذهم على تخوف﴾ أي٣ تنقص٤ بأن يهلكهم واحداً بعد واحد أو جماعة بعد جماعة حتى لا يبقى منهم أحداً، وقد أخذ منهم ببدرٍ من أخذ وفي أحد. وقوله تعالى: ﴿فإن ربكم لرؤوف رحيم﴾ تذكير لهم برأفته ورحمته إذ لولا هما لأنزل بهم نقمته وأذاقهم عذابه بدون إنظار لتوبةٍ أو إمهال لرجوع إلى الحق، وقوله تعالى: ﴿أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء٥﴾ من شجرٍ وجبل وإنسانٍ وحيوان ﴿يتفيؤا ظلاله﴾ بالصباح والمساء ﴿عن اليمين والشمائل﴾ " جمع شمال" ﴿سجداً لله﴾ خضعاً بظلالهم ﴿وهم داخرون٦﴾ أي صاغرون ذليلون. أما يكفيهم ذلك دلالة على خضوعهم لله وذلتهم بين يديه، فيؤمنوا به ويعبدونه ويوحدوه فينجوا من عذابه ويفوزوا برحمته. وقوله تعالى: ﴿ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة﴾ أي ولله لا لغيره يسجد بمعنى يخضع وينقاد لما يريده الله تعالى من إحياء أو إماتة أو صحة أو مرض أو خير أو غيره من دابةٍ أي من كل ما يدب من كائن على هذه الأرض ﴿والملائكة﴾ ٧

١ وقد تمّ لهم وذاقوا مُرَّاً يوم بدر بقتل صناديدهم وأسرهم.
٢ أي: بسابقين الله ولا فائتيه.
٣ التخوف: مصدر لفعل تخوّف إذا حاف، ومصدر لتخوّف المتعدي الذي بمعنى تنقص، وهو لغة هذيل، فللآية معنيان. الأول: أن يكون المعنى: يأخذهم العذاب وهم في حالة توقع بنزول العذاب لوجود أماراته كالرعد والبرق مثلا. والثاني: أن يكون المعنى بأن يأخذهم وهم في حالة تنقص بأن يأخذ القرية فتخاف القرية الأخرى وهو واضح المعنى في التفسير.
٤ ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما تفسير التخوّف: بأن يعاقب أو يتجاوز، ويشهد له الجملة التعليلية وهي ﴿فإنّ ربكم لرؤوف رحيم﴾ فهو لا يعاجل بالعقوبة.
٥ أي: من أي جسم قائم له ظل كشجرة أو جبل ومعنى تفيء الظلال: ميلانه من جانب إلى جانب ومنه سمي الظل بالعشي فيء: لأنه فاء من المشرق إلى المغرب أي. رجع، والفيء: الغنائم التي ترجع إلى المسلمين من الكافرين لأنّهم أحق بها فرجعت إليهم.
٦ أي: خاضعون، والدخور: الصغار والذل يقال: دخر الرجل فهو داخر وأدخره الله. قال ذو الرمّة:
فلم يبق إلا داخر في مخيس
ومنجحر في غير أرضك في حجر
والشاهد في قوله داخر أي خاضع ذليل والمخيس بناء من مدر يسجن فيه
٧ قيل: المراد بالملائكة: ملائكة الأرض، وخضهم بالذكر وهم داخلون في عموم ما في السموات وما في الأرض لشرف منزلتهم عند ربّهم جلّ جلاله، والملائكة يطيرون ولا يَدِبّون، فلذا أخرجوا أيضاً بالذكر.


الصفحة التالية
Icon