أولاده ﴿على هون﴾ أي مذلة وهوان، وإما أن ﴿يدسه في التراب﴾ ١ أي يدفنه حياً وهو الوأد المعروف عندهم. قال تعالى مندداً بهذا الإجرام: ﴿ألا ساء ما يحكمون﴾ في حكمهم هذا من جهة نسبة البنات لله وتبرّئهم منها، ومن جهة وأْد البنات٢ أو إذلالهن، قبح حكمهم الجاهلي هذا من حكم. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٥٧) وهي قوله: ﴿ويجعلون لله البنات﴾ حيث قالوا الملائكة بنات الله ﴿سبحانه﴾ أي نزه تعالى نفسه عن الولد والصاحبة فلا ينبغي أن يكون له ولد ذكراً كان أو أنثى لأنه رب كل شيء ومليكه فما الحاجة إلى الولد إذاً؟ والآية الثانية (٥٨) وهي قوله تعالى: ﴿وإذا بشر أحدهم بالأنثى٣ ظل وجهه مسوداً﴾ أي أقام النهار كله مسود الوجه من الغم ﴿وهو كظيم﴾ أي ممتلىء بالغم والهم، ﴿يتوارى من القوم من سوء ما بشر به﴾ أي من البنت ﴿أيمسكه على هونٍ أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون﴾ وقوله تعالى: ﴿للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء﴾ يخبر تعالى أن الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم منكروا البعث الآخر لهم المثل السوء٤ أي الصفة السوء وذلك لجهلهم وظلمة نفوسهم لأنهم لا يعملون خيراً ولا يتركون شراً، لعدم إيمانهم بالحساب والجزاء فهؤلاء لهم الصفة السوأى في كل شيء، ﴿ولله المثل٥ الأعلى﴾ أي الصفة الحسنى وهو أنه لا إله إلا الله منزه عن النقائص رب كل شيء ومالكه، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لا شريك له ولا ند له ولا ولد وقوله: ﴿وهو العزيز الحكيم﴾ ثناء على نفسه بأعظم وصف العزة والقهر والغلبة لكل شيء والحكمة العليا في تدبيره وتصريفه شؤون عباده، وحكمه وقضائه لا إله إلا هو ولا رب سواه. وقوله تعالى في الآية (٦١) ﴿ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليهما٦﴾ أي على الأرض

١ دسّها: إخفاؤها في التراب عن الناس حتى لا تعرف، وفي الحديث: "من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كنّ له سترا من االنار يوم القيامة".
٢ كانت مضر وخزاعة يدفنون البنات أحياء، وأشدهم في هذا تميم زعموا خوف القهر عليهن وطمع غير الأكفاء فيهن وكان صعصع بن ناجية عمّ الفرزدق إذا أحسّ بشيء من ذلك وجّه إلى والد البنت إبلا يستحييها بذلك، قال الفرزدق يفتخر:
وعمّىٍ الذي منع الوائدات
فأحيى الوئيد فلم يوأد
٣ تكرّر شرح هذه الآية في التفسير سهواً وهو غير ضار.
٤ أي: صفة السوء من الجهل والكفر.
٥ إن قيل: كيف أضاف المثل هنا إلى نفسه عزّ وجلّ وقد قال ﴿فلا تضربوا لله الأمثال﴾ فالجواب: إنّ قوله: ﴿فلا تضربوا لله الأمثال﴾ معناه الأمثال التي توجب الأشباه والنقائص أي: لا تضربوا له مثلا يقتضي نقصاً وتشبيها بالخلق والمثل الأعلى هو وصفه تعالى بما لا شبيه له ولا نظير.
٦ قال ابن مسعود رضي الله عنه وقرأ هذه الآية: لو آخذ الله الخلائق بذنوب المذنبين لأصاب العذاب جميع الخلق حتى الجعلان في جحرها، ولأمسك الأمطار من السماء والنبات من الأرض فماتت الدّواب ولكن الله يأخذ بالعفو والفضل كما قال ﴿ويعفو من كثير﴾.


الصفحة التالية
Icon