وحاربوهم وأصروا على الشرك والكفر فتولاهم الشيطان، لذلك ﴿فهو وليهم اليوم١﴾ ! أي في الدنيا ﴿ولهم﴾ في الآخرة ﴿عذابٌ أليم﴾، والسياق الكريم في تسلية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولذا قال تعالى في الآية الثانية: ﴿وما أنزلنا علمك الكتاب﴾ أي لإرهاقك وتعذيبك ولكن لأجل أن تبين للناس الذي اختلفوا فيه من التوحيد والشرك والهدى والضلال. كما أنزلنا الكتاب هدىً يهتدى به المؤمنون إلى سبل سعادتهم ونجاحهم، ورحمةٌ تحصل لهم بالعمل به عقيدةً وعبادةً وخلقاً وأدباً وحكماً، فيعيشون متراحمين تسودهم الأخوة والمحبة وتغشاهم الرحمة والسلام.
بعد هذه التسلية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاد السياق إلى الدعوة إلى التوحيد وعقيدة البعث والجزاء بعد تقرير النبوة المحمدية بقوله تعالى: ﴿تالله لقد أرسلنا﴾ الآية فقال تعالى: ﴿والله أنزل من٢ السماء ماء فأحيا بها الأرض بعد موتها﴾ الماء هو ماء المطر وحياة الأرض بالنبات والزرع بعدما كانت ميتة لا نبات فيها وقوله ﴿إن في ذلك﴾ المذكور من إنزال الماء من السماء وإحياء الأرض بعد موتها ﴿لآية﴾ واضحة الدلالة قاطعة على وجوده تعالى وقدرته، وعلمه ورحمته كما هو آية على البعث بعد الموت من باب أولى. وقوله تعالى: ﴿وإن لكم في الأنعام٣ لعبرةً﴾ ٤ أي حالاً تعبرون بها عن الجهل إلى العلم.. من الجهل بقدرة الله ورحمته ووجوب عبادته بذكره وشكره إلى العلم بذلك والمعرفة به فتؤمنوا وتوحدوا وتطيعوا. وبين وجه العبرة العظيمة فقال: ﴿نسقيكم مما في بطونه٥﴾ أي بطون المذكور من الأنعام ﴿من٦ بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين﴾ فسبحان ذي القدرة العجيبة والعلم الواسع والحكمة التي لا يقادر قدرها.. اللبن يقع بين الفرث والدم
٢ كون المسند فعلاً وهو: أنزل من السماء ماء أفاد التخصيص أي: الله وحده الذي أنزل من السماء ماء والمراد من السماء: السحاب.
٣ هناك مناسبة ظاهرة بين الآيتين وهي: كما أنّ الأرض تحيى بماء السماء كذلك الإنسان يحيى بالألبان.
٤ اسم جمع لكل جماعة من أحد أصناف الإبل والبقر والضأن والمعز والعبر: ما يتعظ به ويعتبر.
٥ البطون: جمع بطن وهو اسم للجوف الحاوية للجهاز الهضمي كلَّه من معدة وكبد وأمعاء.
٦ ﴿من﴾ زائدة لتوكيد التوسط أي: يفرز في حالة بين حالتي الفرث والدم وموقع: ﴿من بين فرث ودم﴾ موقع الصفة والموصوف: لبناً وقدّمت للاهتمام بها.
٦ مفرِّطون: اسم فاعل من فرّط المضاعف إذا ضيّع الحقوق الواجبة عليه.