النحل كيف تلد العسل وتقدمه للإنسان فيه دواء من كل داء. فقوله ﴿وأوحى ربك﴾ أيها الرسول ﴿إلى النحل١﴾ بأن ألهمها ﴿أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر﴾ أيضاً بيوتاً، ﴿ومما يعرشون٢﴾ أي ومما يعرش الناس لَكِ أي يبنون لك، اتخذي من ذلك بيوتاً لَكِ إذ النحلة تتخذ لها بيتاً داخل العريش الذي يعرش لها تبنيه بما تفرزه من الشمع وقوله تعالى: ﴿ثم كلي من كل الثمرات﴾ أي ألهمها أن تأكل من كل ما تحصل عليه من الثمرات من الأشجار والنباتات أي من أزهارها ونوارها وقوله لها ﴿فاسلكي سبل ربك ذللاً﴾ ٣ بإلهام منه تسلك ما سخر لها وذلك من الطرق فتنتقل من مكان إلى آخر تطلب غذاءها ثم تعود إلى بيوتها لا تعجز ولا تضل وذلك بتذليل الله تعالى وتسخيره لها تلك الطرق فلا تجد فيها وعورة ولا تنساها فتخطئها. وقوله تعالى ﴿يخرج من٤ بطونها﴾ أي بطون النحل ﴿شراب﴾ أي عسل يشرب ﴿مختلف٥ ألوانه﴾ ما بين أبيض وأحمر وأسود، أو أبيض مشرب بحمرة أو يضرب إلى صفرة. وقوله تعالى: ﴿فيه شفاء للناس﴾ أي من الأدواء، هذا التذكير في قوله شفاء دال على بعض دون بعض جائز هذا حتى يضم إليه بعض الأدوية أو العقاير الأخرى، أمّا مع النية أي أن يشرب بنية الشفاء من المؤمن فإنه شفاء لكل داء وبدون ضميمة أي شيء آخر له. وفي حديث الصحيح وخلاصته أن رجلاً شكا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استطلاق بطن أخيه أي مشْي بطنه عليه فقال له اسقه العسل، فسقاه فعاد فقال ما أراه زاده إلا استطلاقا فعاد فقالت مثل ما قال أولاً ثلاث مرات وفي الرابعة أو الثالثة قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه العسل فسقاه فقام كأنما نشط من عقال. وقوله تعالى: ﴿إن في ذلك﴾ أي المذكور من إلهام الله تعالى للنحل وتعليمها كيف تصنع العسل ليخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس لدلالة واضحة على
٢ بيوت النحل في ثلاثة، في الجبال وكواها، ومتجوّف الأشجار، وما يعرش لها من الأجباح والخلايا والحيطان، وعرش يعرش: إذا بنى عريشا من الأغصان والخشب، ومن عجيب ما ألهم الله النحل أنه يجعل بيوته مسدسة الشكل.
٣ اللّفظ صالح لأن يكون لفظ ذللا المراد به النحلة نفسها وذلل جمع ذلول وهي المنقادة المطيعة المسخرة، وصالح أن يكون المراد به الطرق التي تسلكها النحلة كما في التفسير.
٤ روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في تحقير الدنيا: أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة وأشرف شرابه فيها رجيع نحلة.
٥ بحسب تنويع الغذاء كما أن الطعم يختلف باختلاف المراعي ومن هذا المعنى قول زينب رضي الله عنها جرست نحله العرفط حين شبهت رائحته برائحة المغافير والعرفط شجر الطلح له صمغ كريه الرائحة.