الأفئدة: أي القلوب.
معنى الآيات:
مازال السياق في تقرير التوحيد والدعوة إليه وإبطال الشرك والتنفير منه وقد تقدم أن الله تعالى جهل المشركين في ضرب الأمثال له وهو لا مثل له ولا نظير، وفي هذا السياق ضرب تعالى مثلين وهو العليم الخبير.. فالأول قال فيه: ﴿ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً﴾ أي غير حر من أحرار الناس، ﴿لا يقدر على شيء﴾ إذ هو مملوك لاحق له في التصرف في مال سيده إلا بإذنه١، فلذا فهو لا يقدر على إعطاء أو منع شيء، هذا طرف المثل، والثاني ﴿ومن رزقناه منا رزقاً حسناً﴾ صالحاً واسعاً ﴿فهو ينفق منه سراً وجهراً﴾ ليلاً ونهاراً لأنه حر التصرف بوصفه مالكاًَ ﴿هل يستوون٢﴾ ؟ الجواب لا يستويان.. إذاً ﴿الحمد لله بل أكثرهم٣ لا يعلمون﴾ والمثل مضروب للمؤمن والكافر، فالكافر أسير للأصنام عبدٌ لها لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، لا يعمل في سبيل الله ولا ينفق لأنه لا يؤمن بالدار الآخرة، والجزاء فيها، وأما المؤمن فهو حر يعمل بطاعة الله فينفق في سبيل الله سراً وجهراً يبتغي الآخرة والمثوبة من الله، ذا علمٍ وإرادة، لا يخاف إلا الله ولا يرجو إلا هو سبحانه وتعالى. وقوله: ﴿وضرب الله مثلاً رجلين﴾ هو المثال الثاني في هذا السياق وقد حوته الآية الثانية (٧٦) فقال تعالى فيه ﴿وضرب الله مثلاً﴾ هو ﴿رجلين أحدهما٤ أبكم﴾ ولفظ الأبكم قد يدل على الصمم فالغالب أن الأبكم لا يسمع ﴿لا يقدر على شيء﴾ فلا يفهم غيره لأنه أصم ولا يُفهم غيره لأنه أبكم، ﴿وهو كلٌّ على٥ مولاه﴾ أي ابن عمه أو من يتولاه من أقربائه يقومون بإعاشته ورعايته لعجزه وضعفه وعدم قدرته على شيء. وقوله: ﴿أينما يوجهه لا يأت بخير﴾ أي أينما يوجهه مولاه وابن عمه ليأتي بشيء

١ هذه الآية منزع الفقهاء في ملكية العبد وعدمها، فذهب مالك إلى أنّ العبد يملك بإذن سيده، وهو ناقص الملك، وقال أبو حنيفة والشافعي في الجديد: العبد لا يملك شيئاً، وقالوا: الرّق ينافي الملك، وقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أعتق عبداً وله مال" شاهد لمن قال يملك ملكاً ناقصا.
٢ لم يقل يستويان لأنّ مَنْ صالحة للواحد والجماعة.
٣ لا يعلمون أن الله هو المستحق للحمد دون آلهتهم لأن الله تعالى هو المنعم بالخلق والرزق، والأصنام لا تخلق ولا ترزق فلذا الحمد له وحده.
٤ هذا مثل آخر ضربه تعالى لنفسه وللمؤمن. قاله قتادة وغيره.
٥ أي: ثقل على وليّه وقرابته ووبال على صاحبه وابن عمّه.


الصفحة التالية
Icon