والتقرب إليه وطاعته بعبادته وحده، كما تدل على بطلان تأليه غيره وعبادة سواه، وكون الآيات لقوم يؤمنون هو باعتبار أنهم أحياء القلوب يدركون ويفهمون بخلاف الكافرين فإنهم أموات القلوب فلا إدراك ولا فهم لهم، فلم يكن لهم في ذلك آية.. وقوله: ﴿والله جعل١ لكم من بيوتكم سكناً﴾ أي موضع سكونٍ وراحة، ﴿وجعل لكم٢ من جلود الأنعام﴾ الإبل والبقر والغنم ﴿بيوتاً﴾ أي خياماً وقباباً ﴿تستخفونها﴾ أي تجدونها خفيفة المحمل ﴿يوم ظعنكم﴾ أي ارتحالكم في أسفاركم وتنقلاتكم ﴿ويوم إقامتكم﴾ في مكان واحد كذلك. وقوله: ﴿ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها﴾ أي جعل لكم منه ﴿أثاثاً﴾ كالبسط الفرش والأكسية (متاعاً) أي تتمتعون بها إلى حين بلاها وتمزقها٣ وقوله: ﴿والله جعل لكم مما خلق﴾ من أشياء كثيرة ﴿ظلالاً﴾ تستظلون بها من حر الشمس ﴿وجعل لكم من الجبال أكناناً﴾ ٤ تكنون فيها أنفسكم من المطر والبرد أو الحر وهي غيران وكهوف في الجبال ﴿وجعل لكم سرابيل﴾ قمصان ﴿تقيكم الحر﴾ والبرد ﴿وسرابيل﴾ هي الدروع ﴿تقيكم بأسكم﴾ في الحرب تتقون بها ضرب السيوف وطعن الرماح. أليس الذي جعل لكم هذه كلها أحق بعبادتكم وطاعتكم، وهكذا ﴿يتم نعتمه عليكم﴾ فبعث إليكم رسوله وأنزل عليكم كتابه لِيُعِدّكم للإسلام فتسلموا. وهنا وبعد هذا البيان الواضح والتذكير البليغ يقول لرسوله ﴿فإن تولوا﴾ أي أعرضوا عما ذكرتهم به فلا تحزن ولا تأسف إذ ليس عليك هداهم ﴿فإنما عليك البلاغ المبين﴾ وقد بلغت وبينت. فلا عليك بعد شيء من التبعة والمسؤولية. وقوله: ﴿يعرفون نعمت الله﴾ أي نعمة الله عليهم كما ذكرناهم بها ﴿ثم ينكرونها﴾ فيعبدون غير المُنعم بها ﴿وأكثرهم الكافرون﴾ أي الجاحدون المكذبون بنبوتك ورسالتك والإسلام الذي جئت به.

١ ﴿جعل﴾ : بمعنى أوجد وهذا شروع في تعداد النعم التي أنعم بها الخالق عزّ وجلّ على العباد، والسكن: مصدر والمنة في كونه تعالى جعل الإنسان يسكن ويتحرك ولو شاء لجعله متحركاً دائماً كالأفلاك في السماء أو جعله كالأرض ساكناً أبداً.
٢ بعد أن ذكر تعالى السكن في الدور ذكر السكن في البيوت المتنقلة وهي الخيام والقباب.
٣ في الآية دليل على حليذة جلود الميتة ولكن بعد دبغها لحديث: "أيّما إهاب دبغ فقد طهر".
٤ الأكنان: جمع كن وهو: ما يكن عن الحرّ والريح والبرد وهو الغار في الجبل.


الصفحة التالية
Icon