ويسعدون. وقوله في الآية الثانية (٨٥) ﴿وإذا رأى الذين ظلموا العذاب﴾ أي يوم١ القيامة ﴿فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون﴾ أي يمهلون. اذكر هذا أيضاً تذكيراً وتعليماً، واذكر لهم ﴿إذا رأى الذين أشركوا شركاءهم﴾ في عرصات القيامة أو في جهنم صاحوا قائلين ﴿ربنا﴾ أي يا ربنا ﴿هؤلاء٢ شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك﴾ أي نعبدهم بدعائهم والاستغاثة بهم، ﴿فألقوا إليهم القول﴾ فوراً ﴿إنكم لكاذبون﴾. ﴿وألقوا إلى الله يومئذٍ السلم﴾ أي الاستسلام فذلوا لحكمه ﴿وضل عنهم ما كانوا يفترون﴾ في الدنيا من ألوان الكذب والترهات كقولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وأنهم ينجون من النار بشفاعتهم، وأنهم وسيلتهم إلى الله كل ذلك ضل أي غاب عنهم ولم يعثروا منه على شيء. وقوله تعالى: ﴿الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله﴾ غيرهم بالدعوة إلى الكفر وأسبابه والحمل عليه أحياناً بالترهيب والترغيب ﴿زدناهم عذاباً فوق العذاب﴾ الذي استوجبوه بكفرهم. ورد أن هذه الزيادة من العذاب أنها عقارب كالبغال الدهم، وأنها حيات كالنخل الطوال والعياذ بالله تعالى من النار وما فيها من أنواع العذاب، وقوله تعالى: ﴿ويوم نبعث﴾ أي اذكر يا رسولنا يوم نبعث ﴿في كل أمةٍ شهيداً﴾ أي يوم القيامة ﴿عليهم من أنفسهم٣ وجئنا بك شهيداً على هؤلاء﴾ أي على من أرسلت إليهم من أمتك. فكيف يكون الموقف إذ تشهد على أهل الإيمان بالإيمان وعلى أهل الكفر بالكفر. وعلى أهل التوحيد بالتوحيد، وعلى أهل الشرك بالشرك إنه لموقف صعب تعظم فيه الحسرة وتشتد الندامة.. وقوله تعالى في خطاب رسوله مقرراً نبوته والوحي إليه ﴿ونزلنا عليك الكتاب﴾ أي القرآن ﴿تبياناً٤ لكل شيء﴾ الأمة في حاجة إلى معرفته من الحلال والحرام والأحكام والأدلة ﴿وهدى﴾ من كل ضلال ﴿ورحمة﴾ خاصة بالذين يعملون به ويطبقونه على أنفسهم وحياتهم فيكون

١ أي: عذاب جهنم بالدخول فيها.
٢ أي: أصنامهم وأوثانهم التي عبدوها، وذلك لأنّ الله تعالى يبعث معبوديهم فيتبعونهم حتى يوردوهم النار، روى مسلم: "من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت.." الحديث، وفي الترمذي: " فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره فيتبعون ما كانوا يعبدون".
٣ الشهداء: هم الأنبياء والعلماء، فالنبي يشهد على أمته والعالم يشهد على من أمره ونهاه ودلّ هذا على أنه لم تخل فترة من وجود داع إلى الله تقوم به الحجة لله تعالى فقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زيد بن عمرو بن نفيل "يبعث امة وحده". ومثل زيد قس وورقة وسطيح.
٤ التبيان: مصدر دال على المبالغة في المصدرية وأريد به هنا اسم الفاعل أي: المبيِّن لكل شيء.


الصفحة التالية
Icon