حياتك بالمغفرة والرحمة إن كانا موحدين وماتا على ذلك لقوله تعالى: ﴿ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى﴾ وهو معنى قوله تعالى: ﴿وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً﴾، وقوله تعالى: ﴿ربكم أعلم بما في نفوسكم ان تكونوا صالحين١ فإنه كان للأوابين غفوراً﴾.
يخبر تعالى بأنه أعلم بنا من أنفسنا فمن كان يضمر عدم الرضا عن والديه والسخط عليهما فالله يعلمه منه، ومن كان يضمر حبهما واحترامهما والرضا بهما وعنهما فالله تعالى يعلمه ويجزيه به فالمحسن يجزيه بالإحسان والمسيء يجزيه بالإساءة، وقوله: ﴿إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين٢ غفوراً﴾ بحكم ضعف الإنسان فإنه قد يضمر مرة السوء لوالديه أو تبدر منه البادرة السيئة من قول أو عمل وهو صالح مؤدٍ لحقوق الله تعالى وحقوق والديه وحقوق الناس فهذا العبد الصالح يخبر تعالى أنه غفور له متى آب إلى الله تعالى مستغفراً مما صدر منه نادماً عليه.
وقوله تعالى: ﴿وآت ذا القربى٣ حقه والمسكين وابن السبيل﴾ هذا أمر الله للعبد المؤمن بإيتاء قرابته حقوقهم من البر والصلة وكذا المساكين وهم الفقراء الذي مسكنتهم الفاقة وأذلهم الفقر فهؤلاء أمر تعالى المؤمن بإعطائهم حقهم من الإحسان إليهم بالكساء أو الغذاء والكلمة الطيبة، وكذا ابن السبيل وهو المسافر يعطي حقه من الضيافة والمساعدة على سفره إن احتاج إلى ذلك مع تأمينه وإرشاده إلى طريقه. وقوله تعالى ﴿ولا تبذر٤ تبذيرا﴾ أي ولا تنفق مالك ولا تفرقه في غير طاعة الله تعالى. وقوله ﴿إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين﴾ لأنهم بتبذيرهم المال في المعاصي كانوا عصاة لله فاسقين عن أمره وهذه حال الشياطين فتشابهوا فكانوا إخواناً، وقوله إن الشيطان كان لربه كفوراً لأنه عصى الله تعالى وكفر نعمه عليه ولم يشكره بطاعته فالمبذر للمال في المعاصي فسق عن أمر ربه ولم يشكر نعمه عليه فهو إذاً شيطان فهل يرضى عبد الله المسلم أن يكون شيطانا؟
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وجوب عبادة الله تعالى وحده ووجوب بر الوالدين، وهو الإحسان بهما، وكف الأذى عنهما، وطاعتهما في المعروف.

١ ﴿صالحين﴾ : أي: مؤدين لحقوق الله تعالى وافية وحقوق عباده كذلك.
٢ الأوّاب: الذي كلما أذنب تاب. والأوّاب، الحفيظ: الذي كلما ذكر ذنبه استغفر ربّه. وصلاة الأوّابين: صلاة الضحى حين ترمض الفصلان أي تحترق أخفافها من الرمضاء فتبرك من شدة الحر.
٣ هم قرابة المرء من قبل أبيه وأمّه معاً. قاله ابن عباس والحسن.
٤ قال مجاهد: لو أنفق ماله كله في حق ما كان مبذرا، ولو أنفق مُداً في غير حق كان مبذراً.


الصفحة التالية
Icon