عن ذكرنا وذكر وعدنا ووعيدنا ليكون من الهالكين لعناده وكبريائه وظلمه. ﴿وكان أمره فرطاً١﴾ أي ضياعاً وهلاكاً، وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق ﴿وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن٢ ومن شاء فليكفر﴾ أي هذا الذي جئت به وأدعو إليه من الإيمان والتوحيد والطاعة لله بالعمل الصالح هو ﴿الحق من ربكم﴾ أيها الناس. ﴿فمن شاء﴾ الله هدايته فآمن وعمل صالحاً فقد نجاه ومن لم يشأ الله هدايته فبقي على كفره فلم يؤمن فقد خاب وخسر.
وقوله: ﴿إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها﴾ أي جدرانها النارية. ﴿وإن يستغيثوا﴾ من شدة العطش ﴿يغاثوا بماء كالمهل﴾ رديئاً ثخناً ﴿يشوي الوجوه﴾ إذا أدناه الشارب من وجهه ليشرب شوى جلده ووجهه ولذا قيل فيه ذم له. ﴿بئس الشراب وساءت﴾ أي جهنم ﴿مرتفقاً﴾ في منزلها وطعامها وشرابها إذ كله سوء وعذاب هذا وعيد من اختار الكفر على الإيمان وأما وعد من آمن وعمل صالحاً وقد تضمنته الآيتان (٣١-٣٢) إذ قال تعالى: ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً﴾ هذا حكمنا الذي لا تبديل له وبين تعالى أجرهم على إيمانهم وإحسان أعمالهم فقال: ﴿أولئك لهم جنات عدن﴾ أي إقامة دائمة ﴿تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس واستبرق، متكئين فيها على الآرائك﴾ وهي الأسرة بالحجلة (). ثم أثنى الله تعالى على نعيمهم الذي أعده لهم بقوله: ﴿نعم الثواب﴾ الذي٣ أثيبوا به ﴿وحسنت﴾ الجنة في حليها وثيابها وفرشها وأسرتها وطعامها وشرابها وحورها ورضوان الله فيها ﴿حسنت٤ مرتفقاً﴾ يرتفقون فيه وبه، جعلنا الله من أهلها.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان خيبة وخسران المعرضين عن كتاب الله فلم يتلوه ولم يعملوا بما جاء فيه من شرائع وأحكام.
٢ الأمر في قوله ﴿فليؤمن﴾ و ﴿فليكفر﴾ للتسوية بينهما وليس في هذا إذن لهما بالكفر وإنما الخطاب للتهديد والوعيد لمن اختار الكفر على الإيمان بدليل الجملة التعليلية: ﴿إنا أعتدنا للظالمين ناراً﴾ الخ، والمراد بالظالمين المشركون لقوله تعالى: ﴿إن الشرك لظلم عظيم﴾.
٣ ﴿الأرائك﴾ : جمع أريكة وهي مجموع سرير وحجلة، والحجلة: قبة من ثياب تكون في البيت تجلس فيها المرأة أو تنام فيها ولذلك يقال للنساء ربات الحجال فإذا وضع فيها سرير فهي أريكة يجلس فيها وينام.
(المرتفق) : محل الارتفاق، وإطلاق المرتفق على النار تهكّم، إذ النار لن تكون محل راحة وارتفاق أبداً بل هي دار شقاء وعذاب.