الخضر قتله الغلام بغير نفس، ولا جرم إرتكبه، وبالغ موسى في إنكاره إلى أن قال: ﴿لقد جثت شيئاً نكراً١﴾ فأجابه خضر بما أخبر تعالى به في قوله: ﴿ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا﴾ لما سألتني الصحبة للتعليم، فأجاب موسى بما أخبر تعالى به في قوله: ﴿قال إن سألتك عني شيء بعدها﴾ أي بعد هذه المرة ﴿فلا تصاحبني﴾ أي اترك صحبتي فإنك ﴿قد بلغت من٢ لدني﴾ أي من جهتي وقبلي عذراً في تركك إياي.
قال تعالى: ﴿فانطلقا﴾ في سفرهما ﴿حتى إذا أتيا أهل قرية﴾ (أي مدينة) قيل إنها انطاكية ووصلاها في الليل والجو بارد فاستطعما أهلها أي طلبا منهم طعام الضيف الواجب له ﴿فأبوا أن يضيفوهما٣، فوجدا فيها﴾ أي في القرية ﴿جداراً يريد أن ينقض﴾ أي يسقط فأقامه الخضر وأصلحه فقال موسى له: ﴿لو شئت لاتخذت عليه أجراً﴾ أي جعل مقابل إصلاحه، لاسيما أن أهل هذه القرية لم يعطونا حقنا من الضيافة. وهنا قال الخضر لموسى: ﴿هذا فراق بيني وبينك﴾ لأنك تعهدت إنك إذا سألتني بعد حادثة قتل الغلام عن شيء أن لا تطلب صحبتي وها أنت قد سألتني، فهذا وقت٤ فراقك إذاً ﴿سأنبئك﴾ أي أخبرك ﴿بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً﴾ من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وجوب الوفاء بما التزم به الإنسان لآخر.
٢- وجوب الضيافة لمن استحقها.
٣- جواز التبرع بأي خير أو عمل ابتغاء وجه الله تعالى.

١ اختلف في أيهما أبلغ: إمراً أو نكراً، ورجّح بعضهم أن إمراً فيما لم يحدث من فعل منكر فيكون خاصاً بالمستقبل، ومعناه: أمر فظيع مهيل ونكراً: يكون فيما وقع فهو بيّن الفساد بالغ في النكر واجب الإنكار.
٢ قرىء: ﴿من لدني﴾ بتخفيف الدال وقرىء في السبع بتشديدها وقرىء عذراً بسكون الذال وقرىء في السبع أيضاً بضمهما، وضمّ العين قبلها كنُذُر ونُذُر.
٣ في الحديث: "إنهم كانوا لئاماً بخلاء" وهو تعليل لعدم استضافة موسى والخضر.
٤ في البخاري: هنا قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص علينا من أخبارهما".


الصفحة التالية