بقوله كذلك أي الإرسال١ الذي أرسلنا من قبلك أرسلناك أنت إلى أمة قد خلت من قبلها أمم، وبين فائدة الإرسال فقال: ﴿لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك﴾ وهو الرحمة والهدى والشفاء ﴿وهم يكفرون بالرحمن﴾ الرحمن٢ الذي أرسلك لهم بالهدى ودين الحق لإكمالهم وإسعادهم يكفرون به، إذاً فقل أنت أيها الرسول هو ربي لا إله إلا هو أي لا معبود بحق إلا هو عليه توكلت وإليه متاب أي توبتي ورجوعي فقرر بذلك مبدأ التوحيد بأصدق عبارة وقوله تعالى في الآية الثانية (٣١) ﴿ولو أن قرآنا﴾ الخ.. لا شك أن مشركي مكة كانوا طالبوه٣ بما ذكر في هذه الآية إذ قالوا إن كنت رسولاً فادع لنا ربك فيسر عنا هذه الجبال التي تكتنف وادينا فتتسع أرضنا للزراعة والحراثة وقطع أرضنا فأخرج لنا منها العيون والأنهار وأحي لنا فلاناً وفلاناً حتى نكلمهم ونسألهم عن صحة ما تقول وتدعي بأنك نبي فقال تعالى: ﴿ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى﴾ أي لكان هذا القرآن، ولكن ليست الآيات٤ هي التي تهدي بل لله الأمر جميعاً يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ولما صرفهم الله تعالى عن الآيات الكونية لعلمه تعالى أنهم لو أعطاهم إياها لما آمنوا عليها فيحق عليهم عذاب الإبادة كالأمم السابقة، وكان من المؤمنين من يود الآيات الكونية ظناً منه أن المشركين لو شاهدوا آمنوا وانتهت المعركة الدائرة بين الشرك والتوحيد قال تعالى: ﴿أفلم ييأس٥ الذين آمنوا﴾ أي يعلموا ﴿أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً﴾ بالآيات وبدونها فليترك الأمر له سبحانه وتعالى يفعل ما لشاء ويحكم ما يريد، وقوله تعالى: ﴿ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا﴾ أي من الشرك والمعاصي ﴿قارعة﴾ أي داهية تقرع قلوبهم بالخوف والفزع ونفوسهم بالهم والحزن وذلك كالجدب والمرض والقتل والأسر ﴿أو تحل قريباً من دارهم﴾ أي يحل الرسول بجيشه الإسلامي ليفتح مكة حتى يأتي وعد الله بنصرك أيها الرسول عليهم والآية
٢ قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسجدوا للرحمن قالوا: وما الرحمن، والآية وإن لم تنزل بخصوص دعوى المشركين إلاّ أنها تحمل رداً عليهم في دعواهم الباطلة.
٣ تقدّم أن من بين المطالبين أبا جهل، وعبد الله بن أمية المخزوميين إذ قالا له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن سرّك أن نتبعك فسيّر لنا جبال مكة بالقرآن فاذهبها عنا.. الخ.
٤ أي: فليس ما تطلبونه مما يكون بالقرآن، وإنّما يكون بأمر الله تعالى.
٥ يئس ييأس بمعنى: علم يعلم لله النخع، والقرآن نزل بلغات العرب، وقيل: لغة هوازن قال شاعرهم:
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني
ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم