للمباراة فأخبر تعالى عن موسى أنه قال لهم مخوفا إياهم علهم يتوبون: ﴿ويلكم١ لا تفتروا على الله كذباً﴾ أي لا تتقولوا على الله فتنسبوا إليه ما هو كذب ﴿فيسحتكم٢ بعذاب﴾ أي يهلككم بعذاب إبادة واستئصال، ﴿وقد خاب من افترى﴾ أي خسر من كذب على الله أو على الناس. ولما سمعوا كلام موسى هذا اختلفوا فيما بينهم هل صاحب هذا الكلام ساحر أو هو كلام رسول من في السماء؟ وهو ما أخبر تعالى به عنهم في قوله:
﴿فتنازعوا٣ أمرهم بينهم﴾ وقوله ﴿وأسروا النجوى﴾ أي أخفوا ما تناجوا به بينهم وهو ما أخبر تعالى به في قوله: ﴿إن٤هذان لساحران﴾ أي موسى وهارون ﴿يريدان أن يخرجاكم من أرضكم﴾ أي دياركم المصرية، ﴿ويذهبا بطريقتكم المثلى٥﴾ أي باشرافكم وساداتكم من بني إسرائيل وغيرهم فيتابعوهما على ما جاءا به ويدينون بدينهما، وعليه فأجمعوا أمركم حتى لا تختلفوا فيما بينكم، ﴿ثم ائتوا صفا﴾ واحداً متراصاً، ﴿وقد أفلح اليوم من استعلى﴾ أي غلب، وهذا بعد أن اتفقوا على أسلوب المباراة قالوا بأمر فرعون: ﴿يا موسى إما أن تلقي﴾ عصاك، وإما أن نلقي نحن فنكون أول من ألقى. فقال لهم موسى: ﴿بل ألقوا﴾، فالقوا عندئذ ﴿فإذا حبالهم وعصيهم﴾ وكانت ألوفاً فغطت الساحة وهي تتحرك وتضطرب لأنها مطلية بالزئبق فلما سخنت بحر الشمس صارت تتحرك وتضطرب الأمر الذي خيل فيه لموسى أنها تسعى (باقي الحديث في الآيات بعد).
٢ سحت وأسحت بمعنى، وأصله من استقصاء الشعر في إزالته قرأ أهل الكوفة: (فيُسحتكم) بضم الياء من أسحت، وقرا أهل الحجاز بفتح الياء من: سحت قال الشاعر:
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع
من المال إلاّ مُسحتا أو مجلّفا
والشاهد في: مسحت من أسحت.
٣ التنازع: مشتق من جذب الدلو من البئر وجذب الثوب من الجسد والتنازع تفاعل إذ كل ذي رأي يريد نزع رأي صاحبه لرأيه لما يراه من الصواب.
٤ قراءة الجمهور بكسر إنّ وتشديد النون، وبلغ الخلاف في هذا الحرف أشدّه فبلغوا فيه إلى ستة تخريجات أمثلها: أن (إن) حرف جواب بمعنى نعم قال الشاعر:
ويقلن شيب علا
ك وقد كبرت فقلت إنّه
والشاهد في إنه جواب لما في البيت من كلام، والهاء في إنه هاء السكت، وشاهد آخر وهو: أنّ عبد الله بن الزبير قال لأعرابي استجداه فلم يعطه: إنّ وراكبها. لما قال الأعرابي: لعن الله ناقة حملتني إليك. فقوله: إن: أي: نعم وراكبها أي: ملعون كذلك.
٥ المثلى: مؤنث: الأمثل، من المثالية التي هي حسن الحال. أراد فرعون إثارة الحمية في قومه ليدافعوا عن عاداتهم وشرائعهم وأخلاقهم.