وقوله تعالى: ﴿وما أرسلنا قبلك١﴾ يا رسولنا ﴿إلا رجالاً نوحي﴾ ما نريد إبلاغه عبادنا من أمرنا ونهينا. ﴿فاسألوا أهل الذكر٢ إن كنتم لا تعلمون﴾ أي فليسأل قومك أهل الكتاب من قبلهم وهم أحبار اليهود ورهبان النصارى إن كانوا لا يعلمون فإنهم يعلمون أن الرسل من قبلهم لم يكونوا إلا بشراً. وقوله تعالى: ﴿وما جعلناهم﴾ أي الرسل ﴿جسدا٣﴾ أي أجساداً ملائكية أو بشرية لا يأكل أصحابها الطعام بل جعلناهم أجساداً آدمية تفتقر في بقاء حياتها إلى الطعام والشراب٤ فلم يعترض هؤلاء المشركون على كون الرسول بشراً يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟ وقوله تعالى: ﴿ثم صدقناهم﴾ أي أولئك الرسل ﴿الوعد﴾ ٥ الذي وعدناهم وهو أنا إذا آتينا أقوامهم ما طالبوا به من المعجزات ثم كذبوا ولم يؤمنوا أهلكناهم ﴿فأنجيناهم ومن نشاء﴾ أي أنجينا رسلنا ومن آمن بهم واتبعهم، وأهلكنا المكذبين المسرفين في الكفر والعناد والشرك والشر والباطل.
وقوله تعالى: ﴿لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون؟﴾ يقول تعالى لأولئك المشركين المطالبين بالآيات التي قد تكون سبب هلاكهم ودمارهم ﴿لقد أنزلنا إليكم﴾ لهدايتكم وإصلاحكم ثم إسعادكم ﴿كتاباً﴾ عظيم الشأن ﴿فيه ذكركم﴾ ٦ أي ما تذكرون به وتتعظون فتهتدون إلى سبيل سلامتكم وسعادتكم، فيه ذكركم بين الأمم والشعوب لأنه نزل بلغتكم الناس لكم فيه تبع وهو شرف أي شرف لكم. أتشتطون في المكايدة والعناد فلا تعقلون، ما هو خير لكم مما هو شر لكم.
٢ جائز أن يكون أهل الذكر أي: الكتاب الأوّل هم اليهود والنصارى إذ كان أهل مكة يسألون يهود المدينة وجائز أن يكون القرآن وهم المؤمنون ولذا قال عليّ وهو صادق: نحن أهل الذكر. أي: فليناظروا المؤمنين كعلي وأبي بكر الصديق وبلال. وفي الآية دليل على وجوب تقليد العامة العلماء إذ هم أهل الذكر ووجوب العمل بما يفتونهم به ويعلمونهم به.
٣ الجسد: الجسم لا حياة فيه كالجثة. وفي العبارة تهكم بالمشركين لسخف عقولهم إذ أنكروا على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل الطعام فقالوا: ﴿ما لهذا الرسول يأكل الطعام﴾ وهل يعقل وجود أجسام بشرية تستغني عن الأكل والشرب؟
٤ ولذا هم يموتون ولا يخلدون وهذه حقيقة الآدمي.
٥ الوعد: منصوب على نزع الخافض أي: صدقناهم في الوعد الذي وعدناهم، وهو وعدهم بنصرهم وإهلاك أعدائهم.
٦ ﴿فيه ذكركم﴾ : أي: فيه ذكر أمر دينكم وأحكام شرعكم وبيان ما تصيرون إليه من ثواب أو عقاب وفيه ذكر مكارم أخلاقكم ومحاسن أعمالكم.