ردت إليه كرومه كما كانت أخذها ورد الماشية لصاحبها لم ينقص منها شيء هذا الحكم أخبر تعالى أنه فهم فيه سليمان وهو أعدل من الأول وهو قوله تعالى: ﴿ففهمناها١﴾ أي الحكومة أو القضية أو الفتيا سليمان، ولم يعاتب داود على حكمه، وقال: ﴿وكلاً آتينا٢ حكماً وعلماً﴾ تلافياً لما قد يظن بعضهم أن داود دون ولده في العلم والحكم.
وقوله: ﴿وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير﴾ هذا ذكر لبعض ما أنعم به على داود عليه السلام وهو أنه سخر الجبال والطير تسبح معه إذا سبح سواء أمرها بذلك فأطاعته أو لم يأمرها فإنه إذا صلى وسبح صلت معه وسبحت، وقوله: ﴿وكنا فاعلين﴾ أي لما هو أعجب من تسخير الجبال والطير تسبح مع سليمان لأنا لا يعجزنا شيء وقد كتب هذا في كتاب المقادير فأخرجه في حينه، وقوله تعالى: ﴿وعلمناه﴾ أي داود ﴿صنعة لبوس٣ لكم﴾ وهي الدورع السابغة التي تقي لابسها طعن الرماح وضرب السيوف بإذن الله تعالى فهي آلة حرب ولذا قال تعالى ﴿لتحصنكم من بأسكم٤﴾ ﴿فهل أنتم٥ شاكرون؟﴾ أمر لعباده بالشكر على إنعامه عليهم والشكر يكون بحمد الله تعالى والاعتراف بإنعامه، وطاعته وصرف النعمة فيما من أجله أنعم بها على عبده، وقوله ﴿ولسليمان﴾ أي وسخرنا لسليمان ﴿الريح عاصفة﴾ شديدة السرعة ﴿تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها﴾ إذْ يخرج غازياً أول النهار وفي آخره تعود به الريح تحمل بساطه الذي هو كأكبر سفينة حربية اليوم إلى الأرض التي بارك الله وهي أرض الشام. وقوله: ﴿وكنا بكل شيء عالمين﴾ يخبر تعالى أنه كان وما زال عليماً بكل شيء ما ظهر للناس وما غاب عنهم فكل أحداث الكون تتم حسب علم الله وإذنه وتقديره وحكمته فلذا وجبت له الطاعة واستحق الألوهة والعبادة.
٢ اختلف هل كان حكمهما بوحي أو باجتهاد فإن كان بوحي فهو نسخ للحكم الأول بالثاني، وإن كان باجتهاد وهو ما عليه الجمهور، ولم يخطى داود ولكن الحكم الذي ألهمه سليمان كان أرفق بالطرفين.
٣ هذا مع إلانة الحديد له فقال تعالى في سورة سبأ: ﴿وألنا له الحديد أن اعمل سابغات﴾ واللبوس في العربية: سلاح الحرب من سيف ورمح ودرع وغيرها واللبوس أيضاً: كل ما يلبس قال الشاعر:
إلبس لكل حالة لبوسها
إمّا نعيمها وإما بؤسها
٤ قرأ حفص: ﴿لتحصنكم﴾ بالتاء أي: الدروع، وقرأ نافع ﴿ليحصنكم﴾ : أي: اللبوس وقرأ ورش لنُحصنكم بالنون، والإحصان: الوقاية والحماية وفي الآية دليل على وجوب الصناعة على الكفاية.
٥ الاستفهام هنا للأمر بالشكر.