بعقولهم عندما يدعون أنهم على دين إبراهيم وإسماعيل. هذا ما دل عليه قوله تعالى: ﴿وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بني شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود﴾.
وقوله تعالى: ﴿وأذن في الناس بالحج١﴾ أي وعهدنا إليه آمرين إياه أن يؤذن في الناس بأن ينادي معلناً معلماً: أيها الناس٢ إن ربكم قد بنى لكم بيتاً فحجوه ففعل ذلك فأسمع الله صوته من شاء من عباده ممن كتب لهم أزلا أن يحُجوا وسهل طريقهم وحجوا فعلاً ولله الحمد والمنة.
وقوله تعالى: ﴿يأتوك رجالاً﴾ أي عليك النداء وعلينا البلاغ فنادِ ﴿يأتوك رجالاً﴾ أي مشاة ﴿وعلى كل ضامر﴾ من النوق المهازيل ﴿يأتين من كل فج عميق﴾ أي طريق بعيد في أغوار الأرض وأبعادها كالأندلس غرباً وأندونيسيا شرقاً. وقوله تعالى: ﴿ليشهدوا منافع لهم﴾ أي يأتوك ليشهدوا منافع لهم دينيَّة كمغفرة ذنوبهم واستجابة دعائهم والفوز برضا ربهم، وتعلم دينهم من علمائهم، ودنيويّة كربح تجارة ببيع وشراء وعرض سلع وأنواع صناعات، وقوله تعالى: ﴿ويذكروا اسم الله﴾ شاكرين لله تعالى إنعامه عليهم وإفضاله وذلك في أيام الحج كلها من العشر الأول من ذي الحجة إلى نهاية أيام التشريق بالصلاة والذكر والدعاء، كما يذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام عند نحر الإبل وذبح البقر والغنم بأن يقول الناحر أو الذابح بسم الله والله أكبر٣ قوله تعالى: ﴿فكلوا منها﴾ أي من بهيمة الأنعام التي نحرتموها أو ذبحتموها٤ تقرباً إلينا كهدى التمتع أو التطوع، ﴿واطعموا البائس الفقير﴾ وهو من اشتد به الفقر وقوله تعالى: ﴿ثم ليقضوا تفثهم﴾ بإزالة الشعث والوسخ الذي لازمهم طيلة مدة الإحرام. وقوله: ﴿وليوفوا نذورهم﴾ أن من كان منهم قد نذر هدياً بذبحه في الحرم فليوف بذلك إذ هذا أوان الوفاء بما نذر أن ينحره أو يذبحه

١ وقرىء: ﴿وآذن﴾ بمعنى: أعلم، ﴿وأذّن﴾ : قراءة الجمهور وهي أولى، والأذان: الإعلام.
٢ روي عن ابن عباس وابن جير: لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت، وقيل له: أذن في الناس بالحج قال له يا ربّ: وما يبلغ صوتي؟ قال: أذّن وعليّ البلاغ فصعد إبراهيم خليل الله جبل أبي قبيس وصاح يا أيها الناس إن الله قد أمركم بحج هذا البيت ليثيبكم به الجنة ويجيركم من عذاب النار فحجوا فأجابه من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء: لبيك اللهم لبيك فمن أجاب يومئذ حجّ على قدر الإجابة إن أجاب مرّة فمرة وإن أجاب مرتين فمرتين وجرت التلبية على ذلك.
٣ السنة في ذبح الأضحية أن تكون بعد صلاة العيد، ومن ذبح قبل ذلك أعاد لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من ذبح قبل الصلاة فتلك شاة لحم" ويستحب في ذبح الأضحية والهدي أن يقول بعد التسمية الواجبة: اللهم منك ولك.
٤ المشهور وعليه الأكثر أنّ أيام النحر ثلاثة وهي: أيام التشريق الثلاثة بعد يوم العيد.


الصفحة التالية
Icon