فتسقيه الزبانية ﴿من ماء صديد١﴾ أي وهو صديد أهل النار وهو ما يخرج من قيح ودم وعرق، ﴿يتجرعه﴾ أي يبتلعه جرعة بعد أخرى لمرارته٢ ﴿ولا يكاد يسيغه﴾ أي يدخله جوفه الملتهب عطشاً لقبحه ونتنه ومرارته وحرارته، وقوله تعالى: ﴿ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت﴾ أي ويأتي هذا الجبار العنيد والذي هو في جهنم يقتله الظمأ فيسقى بالماء الصديد يأتيه الموت لوجود أسبابه وتوفرها من كل مكان إذ العذاب محيط به من فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله وما هو بميت لأن الله تعالى لم يشأ ذلك قال تعالى: ﴿لا يموت فيها ولا يحيا﴾ وقال: ﴿لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها﴾ ومن وراء ذلك العذاب الذي هو فيه ﴿عذاب﴾ أي لون آخر من العذاب ﴿غليظ﴾ أي شديد لا يطاق، وقوله تعالى: ﴿مثل٣ الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد٤ اشتدت به الريح في يوم عاصف﴾ أي من شديد هبوب الريح فيه ﴿لا يقدرون مما كسبوا﴾ أي من أعمال في الدنيا ﴿على شيء﴾ أي من الثواب والجزاء الحسن عليها، هذا مثل أعمالهم الصالحة كأنواع الخير والبر والطالحة كالشرك والكفر وعبادة غير الله مما كانوا يرجون نفعه، الكل يذهب ذهاب رماد حملته الريح وذهبت به، مشتدة في يوم عاصف شديد هبوب الريح فيه.
وقوله تعالى: ﴿ذلك هو الضلال البعيد﴾ أي ذلك الذي دل عليه المثل هو الضلال البعيد لمن وقع فيه إذ ذهب كل عمله سدى بغير طائل فلم ينتفع بشيء منه وأصبح من الخاسرين.
وقوله تعالى: ﴿ألم٥ تر أن الله خلق السموات والأرض بالحق﴾ أي ألم تعلم أيها الرسول أن الله خلق السموات والأرض بالحق أي من أجل الإنسان ليذكر الله تعالى ويشكره فإذا تنكر لربه فكفر به وأشرك غيره في عبادته عذبه بالعذاب الأليم الذي تقدم

١ الصديد: المهلة، أي مثل الماء يسيل من الدمل ونحوه والتجرّع: تكلّف الجرع والجرع: بلع الماء.
٢ روي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال قوله تعالى ﴿يسقى من ماء صديد يتجرّعه..﴾ قال: "يقرّب إلى فيه فيكرهه فإذا أدنى منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره.." الخ رواه الترمذي واستغربه.
٣ المثل: الحال العجيبة أي حال أعمالهم كرماد.
٤ الرماد: ما يبقى من احتراق الحطب والفحم، ضرب الله في هذه الآية مثلاً لأعمال الكفار في أنه يمحقها كما تمحق الريح الشديدة الرماد في يوم عاصف.
٥ الرؤية هنا: رؤية القلب وهي العلمية.


الصفحة التالية
Icon