قوله: ﴿ثم جعلناه نطفة في قرار مكين﴾ أي ثم جعلنا الإنسان الذي هو ولد آدم نطفة من صُلْبِ آدم ﴿في قرار مكين﴾ هو رحم حواء ﴿ثم خلقنا النطفة﴾ المنحدرة من صلب آدم ﴿علقة﴾ أي قطعة دم جامدة تعلق بالإصبع لو حاول الإنسان أن يرفعها بإصبعه، ﴿خلقنا العلقة مضغة﴾ وهي قطعة لحم قدر ما يمضغ الآكل، ﴿فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام١ لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر٢﴾ أي إنساناً آخر غير آدم الأب، وهكذا خلق الله عز وجل آدم وذريته، ﴿فتبارك الله أحسن الخالقين﴾. وقد يصدق هذا على كون الإنسان هو خلاصة عناصر شتى استحالت إلى نطفة الفحل ثم استحالت إلى علقة فمضغة فنفخ فيها الروح فصارت إنساناً آخر بعد أن كانت جماداً لا روح فيها وقوله تعالى: ﴿فتبارك الله أحسن الخالقين﴾ فأثنى الله تعالى على نفسه بما هو أهله أي تعاظم أحسن الصانعين، إذ لا خالق إلاّ هو ويطلق لفظ الخلق على الصناعة فحسن التعبير بلفظ أحسن الخالقين.
وقوله تعالى: ﴿ثم إنكم بعد ذلك لميتون﴾ أي بعد خلقنا لكم تعيشون المدة التي حددناها لكم ثم تموتون، ﴿ثم إنكم يوم القيامة تبعثون﴾ أحياء للحساب والجزاء لتحيوا حياة أبدية لا يعقبها موت ولا فناء ولا بلاء.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته.
٢- بيان خلق الإنسان والأطوار التي يمر بها.
٣- بيان مآل الإنسان بعد خلقه.
٤- تقرير عقيدة البعث والجزاء التي أنكرها الملاحدة والمشركون.

١ وقد أثبت علم الأجنة والشريح أن النطفة في طورها الثاني تعلق بجدار الرحم طيلة طورها الثاني فهي بمعنى عالقة ولا منافاة بين كونها علقة وعالقة.
٢ في الحديث الصحيح: "إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح..} الحديث فإذا نفخ فيه الروح تهيأ للحياة والنماء وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿ثم أنشأناه خلقاً آخر﴾ وروي أن يهود يزعمون أن العزل هو الموؤدة الصغرى، وأن عليّا رد هذا وقال: لا تكون موؤودة حتى تمر عليها التارات السبع أي: الأطوار التي في هذه الآية.


الصفحة التالية
Icon