تخشون عذابه وقوله تعالى: ﴿قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه١﴾ أي سلهم يا رسولنا فقل لهم من بيده ملكوت كل شيء أي ملك كل شيء وخزائنه؟ وهو يجير من يشاء أي يحمي ويحفظ من يشاء فلا يستطيع أحد أن يمسه بسوء ولا يجار عليه، أي ولا يستطيع أحد أن يجير أي يحمي ويحفظ عليه أحداً أراده بسوء وقوله: ﴿إن كنتم تعلمون﴾ أي إن كنتم تعلمون أحداً غي الله بيده ملكوت. كل شيء ويجير ولا يجار عليه فاذكروه، ولما لم يكن لهم أن يقولوا غير الله، أخبر تعالى أنهم سيقولون الله أي٢ هو الذي بيده ملكوت كل شيء وهي لله خلقاً وملكاً وتصرفاً إذاً قل لهم ﴿فأنى تسحرون؟﴾ أي كيف تخدعون فتصرفون عن الحق فتعبدون غير الخالق الرازق، وتنكرون على الخالق إحياء الأموات وبعثهم وهو الذي أحياهم أولاً ثم أماتهم ثانياً فكيف ينكر عليه إحياءهم مرة أخرى وقوله تعالى: ﴿بل أتيناهم بالحق﴾ ٣ أي ليس الأمر كما يتوهمون ويخيل إليهم بل أتيناهم بذكرهم الذي هو القرآن به يذكرون لأنه ذكرى وذكر، وبه يذكرون لأنه شرف لهم وإنهم لكاذبون في كل ما يدعون ويقولون. ﴿ما٤ اتخذ الله من ولد﴾ ولا بنت، ﴿وما كان معه من إله﴾ ولا ينبغي ذلك، والدليل المنطقي العقلي الذي لا يرد هو أنه لو كان مع الله إله آخر لقاسمه الملك وذهب كل إله بما خلق، ولحارب بعضهم بعضاً وعلا بعضهم على بعض غلبة وقهراً وقوله تعالى: ﴿سبحان الله﴾ تنزيهاً لله تعالى عما يصفه به الواصفون من صفات العجز كاتخاذ الولد والشريك، والعجز عن البعث. وقوله تعالى: ﴿عالم الغيب٥ والشهادة﴾ أي ما ظهر وما بطن، وما غاب وما حضر فلو كان معه آلهة أخرى لعرفهم وأخبر عنهم ولكن هيهات هيهات أن يكون مع الله إله آخر وهو الخالق لكل شيء والمالك لكل شيء ﴿فتعالى عما يشركون﴾ ٦

١ الملكوت: من صفات المبالغة كالجبروت، والرهبوت، والمراد: ملك كل شيء، وهذا كله احتجاج على العرب لأنهم مقرّون بالله ربّا، والاستفهام فيه وفي الذي قبله: تقريري لأنهم مقرّون أن الله هو ربّ السموات وأنه الذي بيده ملكوت كل شيء.
٢ قرأ أبو عمرو: ﴿سيقولون الله﴾ في الموضعين الأخيرين، ولا خلاف في الموضع الأول لأنه سؤال بـ لمن المَلك؟ ومن قرأ في الأخيرين بلفظ: الله فلأنّ السؤال بغير اللام فجاء الجواب على لفظه. ومن أجاب بـ الله، فإنه راعى المعنى إذ رب السموات: مالكها فهي له وملكوت كل شيء لله.
٣ ﴿بل أتيناهم بالحق﴾ : إضراب لإبطال كونهم مسحورين. أي: ليس الأمر كما يخيّل إليهم، وإنما أتيناهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون، فهذه علّة إعراضهم وعدم قبولهم لدعوة الحق، وقولهم فيه ﴿إن هذا إلاّ أساطير الأولين﴾.
٤ نفى عنه تعالى اتخاذ الولد كما نفى أن يكون له شريك في الألوهية بالبرهان العقلي وهو: أنه لو كان معه آلهة لاقتسموا الكون وذهب كل إله بما خلق، وقد يحارب بعضهم بعضاً ويعلو من يغلب ولم يكن من مظاهر هذا شيء البتة فثبتت النتيجة وهي المذكورة أولا: ﴿ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله﴾.
٥ هذا من جملة أدلة نفي الشريك له تعالى إذ العالم بكل شيء كيف يكون له شريك ولا يعرفه، وقرأ حفص عالِم بالجر على أنه نعت لاسم الجلالة في قوله ﴿سبحان الله﴾، وقرأ نافع بالرفع على أنه خبر لمحذوف أي: هو عالم.
٦ ﴿عما يشركون﴾ ما مصدرية، والمعنى: تعالى عن إشراكهم. أي: هو منزه عن أن يكون له شريك.


الصفحة التالية
Icon