يومئذ يوم عسير} فلشدة الهول وعظيم الفزع لم يبق نسب١ يراعى أو يلتفت إليه بل كل واحد همه نفسه فقط، ولا يسأل حميم حميماً وسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: هل تذكرون أهليكم يا رسول الله يوم القيامة فقال أما عند ثلاثة فلا: إذا تطايرت الصحف، وإذا وضع الميزان وإذا نصب الصراط ومعنى هذا الحديث واضح والشاهد منه ظاهر وهو أنهم لا يتساءلون.
وقوله تعالى: ﴿فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون﴾ أي من رجحت كفة حسناته على كفة سيئآته أفلح أي نجا من النار وأدخل الجنة ومَن خفت موازينه بأن حصل العكس فقد خسر وَأبعد عن الجنة وأدخل النار وهذا معنى قوله تعالى ﴿ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون، تلفح٢ وجوههم النار وهم فيها كالحون٣﴾ أي تحرق وجوههم النار فيكلحون باحتراق شفاههم وتظهر أسنانهم وهو أبشع منظر وأسوأه وقوله تعالى: ﴿ألم تكن٤ آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون؟﴾ هذا يقال لهم تأنيباً وتوبيخاً وهم في جهنم وهو عذاب نفساني مع العذاب الجثماني ﴿ألم تكن آياتي تتلى عليكم﴾ أما كان رسلنا يتلون عليكم آياتنا ﴿فكنتم بها تكذبون﴾ بأقوالكم وأعمالكم أو بأعمالكم دون أقوالكم فلم تحرموا ما حرم الله ولم تؤدوا ما أوجب الله، ولم تنتهوا عما نهاكم عنه. وقوله تعالى: ﴿قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا٥﴾ هذا جوابهم كالمعتذرين بأن شقاءهم كان بقضاء وقدر فلذا حيل بينهم وبين الإيمان والعمل الصالح. وقوله تعالى: ﴿وكنا قوماً ضالين﴾ هذا قولهم أيضاً وهو اعتراف صريح بأنهم كانوا ضالين. ثم قالوا ما أخبر تعالى به عنهم بقوله: ﴿ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون﴾ هذا دعاؤهم وهم في جهنم يسْألون رجهم أن يردهم إلى الدنيا ليؤمنوا ويستقيموا٦ على صراط الله المستقيم الذي هو الإسلام وسوف ينتظرون جواب الله تعالى ألف سنة وهو ما تضمنته الآيات التالية

١ ورد ما يخصص هذا العموم وهو قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كل سبب ونسب فإنه منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي" رواه الطبراني فإنه إن صح يكون مخصصا لعموم الآية. والله أعلم.
٢ ﴿تلفح﴾ وتنفح بمعنى واحد لقوله تعالى: ﴿ولإن مستهم نفحة من عذاب ربك﴾ إلاّ أن تلفح أبلغ من تنفح وأشد.
٣ الكلوح: تكشر في عبوس، والكالح الذي تشمّرت شفتاه وبدت أسنانه قال ابن مسعود: أرأيت الرأس المشتط بالنار وقد بدت أسنانه وقلصت شفتاه.
٤ الاستفهام للتقريع والتأنيب، والتذكير بما يزيد في حسرتهم وعظيم محنتهم وبلائهم.
٥ قرأ ابن مسعود وبها قرأ الكوفيون إلاّ حفصاً شقاوتنا وقرأ الجمهور شقوتنا.
٦ وما يستقيمون لو ردوا لعلم الله تعالى بهم إذ قال عز وجل: ﴿ولو ردوا لعادوا لما نُهوا عنه، وإنهم لكاذبون﴾.


الصفحة التالية
Icon